نيالا: دارفور24

روى سكان من مدن “نيالا والكومة وكتم وطويلة” بإقليم دارفور، وقائع الانتهاكات التي تعرضوا لها جراء القصف الجوي للجيش السوداني، على منازلهم ومؤسسات خدمية كانوا يعتمدون عليها في حياتهم كمصادر المياه والمستشفيات.

ووثقت “دارفور24″ مشاهد مختلفة لأثار القصف الجوي الذي طال منازل المواطنين وأعيان مدنية أخرى، كما استمعت لشهادات فارين من منازلهم في الكومة ومليط ونيالا والفاشر، بسبب قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني.

وتعد مدينتي نيالا جنوب دارفور، والكومة شمال دارفور، اثنين من أكثر المناطق استهدافًا بالقصف الجوي بواسطة الجيش السوداني، فيما يقول سكانا من هاتين المدينتين لـ”دارفور24” إن القصف طال منازلهم ومؤسسات خدمية لا توجد بها أو بالقُرب منها أي مظاهر عسكرية.

في العراء

وأكد العمدة خميس جماع، أحد رجالات الإدارة الأهلية بمدينة الكومة، لـ”دارفور24″ مقتل ابنته “سلمى” وابنها، وإصابة آخرين من ابنائها بينهم طفل رضيع، إثر غارة جوية شنها الجيش السوداني ذات يوم على الكومة.

وقال: “ليس لدينا عداوة مع شخص، نحن مواطنون مسالمون ومتعايشون ولا نعتدى على أحد، ومع ذلك ظل الطيران يقصفنا، لقد قتل نحو 10 أشخاص داخل منازلهم في الحي الذي نقطنه، هذا الشيء ليس له علاقة بالإسلام، إذا كانوا يريدون الحكم ويقتلون المواطنين فمن يحكمون إذا”.

بدوره يقول أحد سكان مدينة الكومة إن “الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، استهدف المدينة أكثر من 200 مرة أسقط خلالها أكثر من 250 قذيفة دمرت البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وجعل السكان يفرون إلى العراء”.

وأضاف أن “إحدى الطائرات هجمت على المدينة وسكانها نيام، قتلت إحدى قذائفها، امرأة وطفلة رضيعة وأصابت أمها، إضافة إلى تدمير المنزل”.

وقال: “نحن مواطنون عُزل ومزارعين، بيننا كبار سن، ومع ذلك ظلت الطائرة تضربنا يوميا بصواريخها، لقد أسقطت علينا خلال 3 أيام أكثر من 20 قذيفة”.

وفي الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي، قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، السوق الأسبوعي لمدينة الكومة، مما أسفر عن مقتل نحو 60 مدنيا وجرح مئات الآخرين.

حظر الطيران

وفي مدينة نيالا، يؤكد عمار محمد، أحد المواطنين، لـ”دارفور24″ مقتل والدته وأبن شقيقته، فضلًا عن إصابة آخرين من جيرانه، إثر تعرضهم لقصف جوي بواسطة الجيش السوداني.

وأضاف “لا نستطيع غير أن نقول حسبي الله ونعم الوكيل ليس لدينا أي مظهر عسكري ولا أي شيء يجعل الجيش يستهدفنا”.

من جهتها ناشدت مواطنة أخرى بمدينة نيالا، الأمم المتحدة بالتدخل وحظر الطيران في دارفور، لتجنيب المدنيين الانتهاكات التي يتعرضون لها.

وقالت: “نحن مواطنين لا نستطيع ان نغادر منازلنا إلى اي مكان، ظروفنا الاقتصادية متدهورة، المتواجدون الآن معظمهم نساء وأطفال، رسالتنا للمجتمع الدولي والعالم ان يحظروا الطيران في دارفور”.

وأشارت إلى أن مئات المدنيين في نيالا قتلوا وآخرين بُترت أعضائهم، نتيجة القصف الجوي على المدينة.

وفي الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الحالي، تعرضت مدينة نيالا إلى قصف مستمر على مدى 4 أيام متتالية، أسفر عن مقتل عدد من المدنيين بينهم أسرة مصطفى حسن، بحي الوادي، وعددها خمسة أفراد.

كما استهدف القصف الأخير جامعة نيالا ومطار المدينة الذي ظل هدفا دائمًا للغارات الجوية، منذ إعادة تشغيله بواسطة قوات الدعم السريع، في سبتمبر الماضي حينما هبطت فيه أول طائرة شحن تابعة للقوات.

انتهاكات انسانية

ويشكل القصف العشوائي على المدنيين والأعيان المدنية، انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني، التي تحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة.

كذلك يناقض القصف الجوي العشوائي مبدأ التمييز، الذي يُلزم أطراف النزاع بضرورة التفرقة بين المدنيين والمقاتلين، كما أن استخدام البراميل المتفجرة يشكل جريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وتؤكد المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على أن تلك الهجمات تشكل جرائم حرب، سواء تمّ ارتكابها أثناء النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية، كما تنص المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة، على أن هناك مجموعة محدّدة من الجرائم “عند ارتكابها كجزء من هجمات واسعة النطاق أو نظامية موجهة ضدّ أي سكان مدنيين” تشكِّل جرائم ضدّ الإنسانية.

ويحظر القانون الإنساني أيضا، أي نوع من الهجمات العشوائية، نظرًا لأن تلك الهجمات لا تميّز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وفق المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1997 الملحق باتفاقيات جنيف.

استراتيجية ممنهجة

وترى منظمات حقوقية راصدة للأوضاع في السودان، مثل “منظمة مناصرة ضحايا دارفور”، أن  “الهجمات الجوية المتزايدة للجيش السوداني على المناطق المدنية ليست عشوائية، بل تأتي ضمن إستراتيجية ممنهجة تهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصاد المحلي في دارفور”.

وتقول المنظمة في تقرير صادر عنها في أكتوبر 2024، إنه “وفقًا للقانون الدولي، فإن هذه الهجمات تمثل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يجرّم الهجمات العشوائية التي تتعمد أو تتجاهل تأثيرها على السكان المدنيين”.

من جهتها تقول منظمة “محامو الطوارئ” الحقوقية، إن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، تعرضت لسلسلة من الهجمات العشوائية بالطيران الحربي، حيث استهدفت الغارات أحياء سكنية من بينها “المطار، الرحمن، والمصانع” باستخدام البراميل المتفجرة.

وقالت في بيان إن “هذه الهجمات ليست سوى جزء من حملة تصعيد مستمرة، تدحض الادعاءات بأن القصف يركز فقط على الأهداف العسكرية، حيث تتركز الغارات بشكل متعمد على المناطق السكنية المأهولة”.

وأكدت المنظمة الحقوقية أن استهداف المدنيين بهذه الطريقة يعد جريمة حرب لا يمكن التهاون معها.