نيويورك ــ دارفور24
في خضم الحرب الدائرة في السودان، ولدت مبادرات شبابية طوعية، شكلت طوق نجاة للآلاف من النازحين الذين وجدوا أنفسهم في مهب المجاعة والحصار. يتصدى هؤلاء الشباب، بإمكانياتهم المحدودة وإرادتهم الصلبة، لجحيم الحرب وتداعياتها، ويقدمون الطعام والمياه والدواء، وإسعاف الجرحى، وإيواء المشردين.
وتحدث موقع أخبار الأمم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، عبر الهاتف والرسائل الصوتية، مع أعضاء من غرف الطوارئ الشبابية – المدعومة من الأمم المتحدة – في معسكري زمزم وأبو شوك في شمال دارفور، لنقل الصورة عما يجري هناك، وخاصة في أعقاب الإعلان عن تفشي المجاعة في معسكر زمزم، والتحذير من ظروف مماثلة في معسكري أبو شوك والسلام القريبين.
ويقيم في معسكر زمزم نازحون من ولايات دارفور الخمس، بالإضافة إلى نازحين هربوا من الصراع في الخرطوم الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد سكان المخيم بصورة كبيرة ليبلغ نحو نصف مليون شخص وفقا لإحصائيات صادرة عن وكالات الإغاثة.
وأصبح المعسكر بمثابة “دارفور مصغرة”، وفقا لمبارك محمد إدريس عضو غرفة طوارئ معسكر زمزم الذي قال إن “غرف الطوارئ خرجت من رحم المعاناة، وأصبحت همزة وصل بين المنظمات والمحتاجين على أرض الواقع”.
ورغم صعوبة الوضع، إلا أن منظمات الإغاثة لا تملك سبيلا للوصول إلى هذه المعسكرات لتقديم المساعدات التي تمس الحاجة إليها. ولهذا السبب، يقوم شباب غرفة الطوارئ في المعسكر بتوفير الغذاء للجوعى.
وقال مبارك محمد إدريس عضو غرفة طوارئ معسكر زمزم: “لدينا أيضا ما يعرف بالمطبخ الجماعي حيث نوفر الغذاء، على مدار الساعة، لأكثر من 46 مركز إيواء داخل المعسكر، وهذا يساعدنا على تخفيف معاناة النازحين داخل المعسكر نسبة لانعدام الغذاء وعجز الأسر عن إطعام نفسها لأنها معدمة”.
وأضاف: “يقضي الأطفال كامل يومهم بلا أي طعام، على الإطلاق. هناك بعض الأسر تمر عليها أيام عديدة دون أن توقد نارا – لأنها لا تملك أي طعام لتطبخه – وهذا هو السبب الذي قاد لإعلان المجاعة في المعسكر، لأن المعسكر محاصر والأسر لا تملك شيئا”.
نقص الغذاء ليس هو التحدي الوحيد الذي يعاني منه سكان معسكر زمزم، إذ تبرز مشكلة نقص مياه الشرب لتضيف عبئا آخر للنازحين.
ويشرح مبارك محمد إدريس: “خرجت كل آبار المياه من الخدمة بسبب عدم توفر الوقود لأن المنطقة محاصرة بواسطة قوات الدعم السريع. حاليا، يعمل بئران للمياه فقط من بين ثمانية آبار في المعسكر، وبالتالي، فنحن نعمل أيضا على توفير مياه الشرب. نعاني جدا في سبيل إحضار المياه إلى المعسكر في ظل الاشتباكات والقصف المدفعي بالإضافة إلى نقص التمويل. نحضر عربتي مياه تحتوي على مئتي برميل للمياه ونوزعها على الناس في 46 مركزا، ولكن ذلك لا يكفي”
لم يقتصر دور غرف الطوارئ على المساعدات المادية، بل امتد ليشمل تعزيز التضامن بين النازحين، وتوفير المأوى والملابس، وإجلاء المصابين من مناطق النزاع.
ويضيف مبارك محمد إدريس: “نعمل على توفير المشمعات ومستلزمات المأوى خلال فترة الخريف، إضافة إلى أدوات رش المبيدات الحشرية والناموسيات. كذلك نقوم بتقديم الدعم لضحايا الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والسيول. أما في فترة الشتاء فنقوم بتوفير الملابس الشتوية للأطفال”.
نموذج آخر للصمود في وجه المعاناة
وتتكرر القصة نفسها في معسكر أبو شوك لا يبعد سوى 22 كيلو مترا عن معسكر زمزم. شباب متطوعون يواجهون التحديات ذاتها، ويقدمون الخدمات ذاتها، بل ويوسعون نطاق عملهم ليشمل إعادة تأهيل مراكز الإيواء المتضررة من الفيضانات، وتوفير الفوط الصحية للفتيات، والعمل في مجال الإصحاح البيئي.
وقال محمد آدم عبد اللطيف، ممثل اللجنة الإعلامية لغرفة طوارئ معسكر أبو شوك: “كنا نتلقى الدعم من جهات عديدة من بينها المجلس النرويجي للاجئين- وهي منظمة شريكة للأمم المتحدة- والتي كانت تقدم لنا دعما بقيمة 5 آلاف دولار نشتري بها المواد التموينية لنعمل في المطبخ الجماعي. من خلال المطابخ الجماعية، نوفر الأكل لمراكز الإيواء التي باتت تعتمد علينا اعتمادا كليا. في الفترة الأخيرة توقفنا لأكثر من عشرين يوما نسبة لانقطاع الدعم. وصلنا الدعم من الخيريين والمنظمات غير الحكومية، ومن بينها منظمة سابا والتي ساعدتنا في شراء عربة إسعاف. وعدتنا منظمات أخرى كثيرة بأن تقدم لنا الدعم. كما تلقينا وعودا بتوفير عشرة مطابخ جماعية”.
بطون جائعة في انتظار طعام لا يأتي
ويُنبّه محمد آدم إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، جعل الكثير من الناس يضطر إلى أكل علف الحيوانات، إن توفر.
وقال إن “كافة مؤشرات المجاعة واضحة للغاية” داخل المعسكر، مشيرا إلى حدوث “الكثير من حالات الوفيات” بسبب الجوع المتفشي بين سكان المعسكر، وخاصة بين الأطفال “وليس بإمكاننا الحصول على التغذية العلاجية. لدينا مركزان للتغذية العلاجية وقد تم قصفهما بواسطة قوات الدعم السريع”.
وأشار محمد آدم إلى ارتفاع معدل التسول بين النازحين اليائسين، فيما تُضطر بعض النساء إلى ممارسة البغاء كي يتمكن من إطعام أطفالهن، حسبما قال.
وتوقفت المراكز الصحية نتيجة للقصف المدفعي، فيما يعاني المركز الصحي الوحيد الذي يقدم الرعاية الصحية الأولية من نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة أدوية الأطفال دون سن الخامسة.
وذكر محمد آدم عبد اللطيف إن غرف الطوارئ وبرغم ما تبذله من جهود كبيرة لمساعدة النازحين إلا أن الأمر “خرج عن نطاق سيطرتها” نسبة لتدهور الوضع وازدياد عدد المحتاجين.
واختتم حديثه بتوجيه نداء قال فيه: “نحن في معسكر أبو شوك ناشدنا لمرات عديدة ولا زلنا نناشد المنظمات والجهات الدولية والأممية تقديم الخدمات لنا بأي طريقة من الطرق. كل الطرق المؤدية إلى المعسكر مغلقة حاليا. نناشد التنسيق مع الأجسام الموجودة داخل المعسكر بهدف إيصال الدعم للأطفال النازحين. انعدمت أبسط الاحتياجات الطبية مثل الضمادات والمعقمات نسبة لكثرة الإصابات”.
وإضافة إلى غرف الطوارئ تبرز منظمات أخرى لتقديم يد العون مثل منظمة وادي هور العالمية للإغاثة والتنمية “وهي منظمة وطنية تعمل في شمال دارفور وخاصة معسكر زمزم للنازحين”.
وقال عضو المنظمة السيد أنور خاطر والذي قال إن المنظمة ظلت تقدم الماء والغذاء ومواد الإيواء للنازحين.
وأوضح أن حصار مدينة الفاشر تسبب في معاناة كبيرة للناس لصعوبة دخول المساعدات الإنسانية للولاية، مضيفا أن الكثير من المنظمات الإنسانية جمدت نشاطها بسبب تدهور الوضع الأمني.
وقال خاطر إن الوضع المتدهور في معسكر زمزم يستدعي تدخلا عاجلا من المنظمات الدولية لإنقاذ النازحين الذين يعانون بشدة من الجوع والأمراض.