الخرطوم ــ دارفور24
ظلت المواطنة (أ. ص) بمنطقة الجيلي؛ شمالي بحري تعاني لأيام من المرض، فلا جرعة دواء ولا طبيب يعاين حالتها، تمكنت أسرتها بشق الأنفس من نقلها إلى أقرب مستشفى لتلقي العلاج بمدينة شندي 200 كلم شمال الجيلي، أو في مدنية أم درمان، لكن السيدة التي أنهكها المرض لم تتحمل مشقة الطريق ففاضت روحها على ضفة النيل الشرقية قبل أن تعبر إلى الضفة الغربية.
يقول المواطن ”ع.أ“ إن هذا الحال ينطبق على غالبية المرضى في هذه المدينة التي تشهد انعداما شبه تاما للخدمات وحركة نزوح مستمرة، فقد ظلت الكهرباء غائبة للشهر السادس على التوالي عن منطقة الجيلي وغالبية مناطق الريف الشمالي لمحلية الخرطوم بحري، التي يقطنها ما يزيد عن مائة ألف مواطن.
وتتجلى المعاناة أكثر في ارتباط خدمة المياه بالكهرباء، فبعد انقطاع الأخيرة لجأ المواطنون لتشغيل محطة المياه الساحبة من النيل بالجازولين، الذي بدوره يتعرض لموجات انقطاع متكررة بعد اشتداد القتال حول مصفاة الجيلي، ومازاد الأمر سؤا انحسار مياه النيل عن مضخات المحطة ما أدى إلى انقطاع المياه لأسبوعين متتاليين حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
يلجأ المواطنون في الجيلي المحاصرة منذ شهور لاستخدام مياه آبار قديمة اضطروا لتشغيلها رغم أنها غير صالحة للشرب، وحتى هذا الحل الاضطراري لا يوفر الماء إلا بعد أن يقوم المواطنون بالحفر طويلاً بمحازاة خط المياه الرئيسي.
وتشهد أسعار السلع الغذائية التي تصل من شندي بصعوبة ارتفاعا هائلا، في وقت تآكلت فيه مصادر الدخل على نحو غير مسبوق.
عزلة شاملة
والوضع ليس بأفضل حال في بقية مناطق الخرطوم التي تعاني غالبيتها انقطاع تام أو شبه تام للاتصالات والمياه والكهرباء ويستخدم الغالبية في الخرطوم مياه غير صالحة للشرب.
وقال المتطوع بمنطقة شرق النيل؛ إبراهيم ساعد الذي ينشط في المطابخ الخيرية إن أسعار السلع باتت فوق الاحتمال مما شكل عجزا في عمل المطابخ، وخلال حديثه لـ ”دارفور24“ توقع ساعد أن يتوقف نشاط المطابخ بعد عيد الأضحى حال لم يصلهم دعم كبير.
وظلت المطابخ الخيرية التي تحاكي نسق ”التكايا“ تغطي حاجة قاطني الخرطوم من مأكل ومشرب وشكت بعض المجموعات العاملة في النشاط الخيري من تراجع الدعم الشعبي بسبب فقدان الغالبية لمصادر الدخل مع استطالة أمد الحرب.
ومع اتساع الانتهاكات في الجزيرة وتصاعد المعارك في الفاشر أصبحت الخرطوم منطقة منسية.
ويعاني سكان الخرطوم مشقة في العيش وفقراً مدقعاً، ويعتمدون بشكل كامل على التطبيقات البنكية، ومع شح الموارد نمت تجارة بيع المال نقداً مقابل التحويلات عبر التطبيقات البنكية، وتصل نسبة الفائدة ما بين 10 – 15٪ بحسب ساعد.
زواج بالإكراه وعقود غير موثقة
وقال شاهد عيان بشرق النيل لـ ”دارفور24“ إن الوضع المزري في الخرطوم خلف واقعاً اجتماعيا معقداً فبجانب ”تجارة الجنس“ لصالح عناصر الدعم السريع ظهرت حالات زواج بالإكراه مثلما حدث مع أحد مواطني المنطقة الذي اضطر لعقد قران إبنته لأحد عناصر الدعم السريع.
ومع تعطل المؤسسات الرسمية تجري مراسم عقد القران على نحو شائه، ويشير شاهد العيان الذي اشترط حجب إسمه بسبب وجوده في مناطق سيطرة الدعم السريع؛ إلى ظهور ما يعرف بـ ”المستشار“ وهو يقوم بمقام المأذون الشرعي لإكمال مراسم العقد، ولا يوجد أي أوراق رسمية توثق هذه العقود.
ووفقاً لإفادته لـ ”دارفور24“ فإن المستشار يمكن أن يكون عمدة أو ناظر قبيلة، مأذون سابق، إمام مسجد أو حتى غفير، يأتي لإجراء مراسم الإشهار.
وبعض الزيجات التي تمت؛ غاب بعدها الأزواج المشاركين في المعارك ولم يعودوا حيث أصبح مصيرهم مجهولاً وبالتالي مصير الزيجات نفسه غير واضح بحسب شاهد العيان.
لكن الشاهد عاد وقال إن كثير من الزيجات تتم برضا كامل حيث يقدم عناصر الدعم السريع تقاليد المهر والمال بشكل مضاعف للأسر الموجودة هناك.
وتشهد منطقة شرق النيل انتشارا واسعاً للدعم السريع منذ الشهر الأول للحرب قبل أن يتمدد انتشارهم ليصل العيلفون قبل أشهر قليلة.
استدراج ونهب
وقال المواطن هيثم محمد الذي غادر شرق النيل قبل أكثر من شهر ”إذا زادت تحركات المواطن بين السوق والمتاجر بما يوحي أن لديه وفرة في المال فهو عرضة للنهب من عناصر الدعم السريع“.
وتوفر بعض عناصر الدعم السريع أجهزة الانترنت الفضائي للمواطنين لتمكينهم من الاتصالات واستقبال التحويلات البنكية لكن ذات النعمة تتحول لنغمة حيث تصبح هذه المحال فخاً للكشف عما تملكه من أموال“.
ويقول هيثم في حديثه لـ ”دارفور24“ إن مجموعات من الدعم السريع غادرت بعدما اغتنمت من الحرب وبعض المجموعات الباقية أصبحت تنشط في التجارة لكنه أشار إلى أن مغادرة بعض المجموعات لم يؤثر على حجم الانتشار في شرق النيل.
غير أن الوضع في أمدرمان يبدو أفضل من الخرطوم، وقالت الناشطة الطوعية؛ سوندا عبد الوهاب في حديثها لـ ”دارفور24“ إن هناك حالة من التطبيع والتعايش مع الحرب في أم درمان واستعاد الناس حركتهم في الأسواق والنشاط التجاري وتعمل المواصلات بشكل طبيعي.
وتحولت مدينة أم درمان منذ الشهور الأولى في الحرب إلى ملجأ لغالبية سكان الخرطوم وبحري وشهدت موجات من العودة بعد سقوط ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي.
وتقول سوهندا ” بالنسبة للمطابخ الخيرية، لم نواجه شح في الموارد، بل الدعم يتزايد.
ويغطي نشاط سوهندا 5 آلاف أسرة عبر مطبخ مركزي ومطابخ فرعية بمناطق مختلفة في أم درمان، وتضيف سوهندا أن مطبخ الجمعة وحده يستهلك 30 ألف قطعة خبز.
توقف المطابخ الخيرية
وفي جنوب الخرطوم قالت غرفة طوارئ جنوب الحزام في تقرير على صفحتها بفيسبوك إن المطابخ الخيرية متوقفة جميعها عدا 3 مطابخ من جملة 41 مطبخ بسبب شح الموارد، وتعاني المنطقة تعاني شح في مياه الشرب وجفاف في بعض الأحياء لفترة قاربت الـ ”4“ أشهر، إذ تعتمد المنطقة على الآبار الجوفية فقط كمصدر لمياه الشرب، ويحصل السكان على المياه بالطرق البدائية إما بعمليات النشل من الآبار أو شرائها من الباعة حيث تبلغ قيمة البرميل 3.000 جنيه.
ومثل غيرها من مناطق الخرطوم وبحري تعاني انقطاع جميع شبكات الاتصال حيث يعتمد السكان على أجهزة الانترنت الفضائي، وأضافت الغرفة في تقريرها أن الكهرباء انقطعت منذ حوالي 3 أشهر ولا يزال المواطن هناك متمسكا بأمل الصيانة بمنطقة جنوب الحزام التي تعاني إلى جانب الأعطال الكثيرة نهب و سرقات في معظم المحطات التحويلة مما فاقم من أزمة الكهرباء و إطالة أمد انقطاعها باستثناء مناطق محدودة.