نيالا ــ دارفور24
تسود مخاوف وسط المزارعين بولاية جنوب دارفور، من تمكنهم من زراعة أراضيهم في الموسم الصيفي الذي عادة ما يبدأ في منتصف يونيو من كل عام.
وسبب هذه المخاوف بصورة رئيسية، وفقًا لمتابعات “دارفور24” مع المزراعين، انعدام الأمن ونهب الآليات وتوقف مؤسسات التمويل الزراعي وخروج البنوك عن الخدمة، وهي أوضاع قادت إلى تعثر وفشل الموسم الزراعي السابق.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” في 20 مارس المنصرم، إن إنتاج السودان من الحبوب انخفض بنسبة 46% جراء انعدام الأمن ومحدودية توفر المدخلات الزراعية وارتفاع أسعارها.
عقبات الزراعة
يعتمد غالبية سكان إقليم دارفور على زراعة الدخن والذرة الرفيعة والفول السوداني والسمسم ولكركدى والبطيخ، خلال موسم الأمطار، حيث يمتلك الإقليم دارفور 55 مليون فدان صالح للزراعة، أي ما يعادل ثلث الأراضي الزراعية الصالحة في السودان، وفقًا لوزارة الزراعة والغابات الاتحادية.
ويعتمد غالبية المزارعون بدارفور على الزراعة بوسائل تقليدية، حيث يمثل صغار المزارعين حوالي 80% من مزارعي الإقليم.
وطبقا لتقارير سابقة لوزارة الزراعة بولاية جنوب دارفور، إن الولاية تمتلك 18 مليون فدان صالح للزراعة، لكن المستقل منها طوال السنوات الماضية لا يتجاوز الـ 9 ملايين فدان حتى الآن.
وأرجع مراقبون الأسباب إلى ضعف الإمكانيات وعدم التطور فى إدخال الآليات الحديثة والتقانة الزراعية إضافة إلى ضعف التمويل الزراعى من قبل المؤسسات العاملة فى مجال التمويل.
ومن أهم المحليات الزراعية ذات الإنتاجية العالية بجنوب دارفور، هي محليات القطاع الجنوبي الشرقي التى تضم بليل وقريضة وبرام والردوم، إضافة للمناطق الجنوبية الغربية والتى تضم السلام وعدالفرسان وكبم ورهيدالبردى وكتيلا وأم دافوق، علاوة على محليات كاس، شطايا، مرشنج، الملم فى الشمالى الغربى للولاية.
وتعد محلية كاس الواقعة على بعد 86 كيلومتر شمال غربي نيالا، واحدة من المحليات الزراعية المهمة بجنوب دارفور لخصوبة التي تصلح فيها زراعة المحاصيل بأنواعها المختلفة سواءً كانت دخن وذرة وفول سودانى وكذلك الخضر والفاكهة.
وسجل أمين عام حكومة الولاية الوالى المكلف صلاح الدين أحمد الموج، زيارة إلى محلية كاس فى إطار الترتيبات الجارية لموسم الخريف، عقد خلالها اجتماعا مع أجهزة المحلية التنفيذية والأهلية تمت فيه مناقشة التقرير الخاص بالموسم الزراعي والرعوي.
وقال والي جنوب دارفور بالإنابة صلاح الموج لوسائل إعلامية إن زيارتهم لمحلية كاس وقف من خلالها على الأوضاع الأمنية والترتيبات المتعلقة بالموسم الزراعي والرعوي لهذا العام بجانب الإعداد المبكر لفتح المسارات والمراحل تفاديا لإى عملية إحتكاك بين المزارعين والرعاة قد تعوق عملية الزراعة التى تعول عليها حكومته فى ظل الظروف الراهنة بالبلاد والتى نتج عنها نقص الغذاء.
تحضيرات صفرية
وصلت وزارة الزراعة بالولاية لمرحلة الصفر، بسبب الحرب التى دارت بنيالا، حيث فقدت كل ما لديها من مقومات الزراعة المتمثلة فى الآليات الزراعية والتقاوى والمبيدات الزراعية إلى جانب تدمير البنى التحتية لمقراتها.
وقال مدير عام وزارة الزراعة الوزير المختصة حماد محمد موسى لـ “دارفور 24” إن المساحة المستهدفة بالزراعة لهذا العام بمحليات الولاية الـ 21 تبلغ 9 ملايين فدان، لكن هناك مطلوبات واجب توفرها مبكرا من أجل تحقيق الهدف وتتمثل فى: “الآليات الزراعية، التقاوى الزراعية، الوقود، الأسمدة والمبيدات بالإضافة لآليات الرش”.
وذكر حماد بأن وزارته بسبب الحرب فقدت كل ما لديها من إمكانات بجانب نزوح جزء من المزارعين والتحول فى حركة الرعاة، وفى ظل هذه الظروف الصعبة إنهم يعولون على نجاح هذا الموسم ويأملون توفير مدخلات الزراعة وكذلك الأمن الغذائي مبكرا حتى يتمكن المزارعون من مزاولة نشاطهم.
وقال مدير عام وزارة الزراعة إن المصفوفة التى قدمها في الاجتماع الذي عقد بمحلية كاس ركزت على محاصيل الأمن الغذائي وخاصة الدخن والذرة بمساحة ثلاثة ملايين فدان للدخن واثنين مليون ونصف المليون لمحصول الذرة، بجانب التركيز على محصول الفول السوداني ومحاصيل أخرى.
وعن مجهودات وزارته مع شركاء العملية الإنتاجية، قال حماد إنهم أجروا اتصالات وتنسيق مع الفاو والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والمنظمات الدولية من بينها كير والرؤية العالمية، بغرض توفير المدخلات الزراعية للولاية خاصة وإن الوزارة تعرضت لنهب وتلف بكل قطاعاتها، علاوة لمخاطابتهم وزارة الزراعة الإتحادية ووقاية النباتات بشأن الترتيبات المبكرة لمكافحة الآفات الزراعية كالجراد لانتشاره الواسع على المزارع في موسم الخريف الماضي بجانب تحسبهم لآفة طيور الزرزور.
وبشأت الجهود الأهلية بمحلية كاس، قال أمير قبائل كاس وشطايا وجنوب جبل مرة الأمير الطاهر منصور عبدالقادر منصور لـ “دارفور 24” إن الأحوال الأمنية مستقرة وإنهم عملوا الترتيبات اللازمة للموسم الزراعى لخريف هذا العام عبر الإدارة الأهلية والتنفيذية والأجهزة الأمنية.
وأضاف: “هنالك بعض المشكلات الأمنية بمناطق “كمبا وكرندى قبة” التى حصل فيها حرائق الفترة السابقة حيث تم تكوين لجان لمعالجة قضاياها، وطالبوا حكومة الولاية والعون الإنسانى بتوفير مواد الأيواء للسكان حتى يتمكنوا من الإستقرار والزراعة.
وشدد على أن فترة الخريف أصعب فترة وتحتاج لمجهودات كبيرة وإجراءات صارمة لتدارك أى عقبة تعيق الموسم منذ بدايته.
وافاد بأنهم شرعوا فى وضع الترتيبات للنازحين بمعسكرات كاس وعودتهم لقراهم لمزاولة الزراعة كما يحدث في كل موسم “العودة الزراعية” مع توفير الأمن اللازم لهم في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
تدهور مريع
وشهد قطاع الثروة الحيوانية بالولاية تدهورا كبيرا وحدت حركة الماشية كما هو معهود قبل الحرب فى أنها تتجول فى رحلتها من المصيف فى أقصي حدود البلاد مع دول جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد، إلى أقصي حدود الولاية الشمالية مع ولاية شمال دارفور والتى تقضي فيها فترة الخريف نتيجة لقلة النواقل المسببة لأمراض الحيوان.
وكشف مدير عام وزارة الزراعة حماد محمد لـ “دارفور 24” عن ترتيب وتنسيق مع إدارة قطاع الثروة الحيوانية الذي تدهور كثيرا لتشغيل معمل اللقاحات وإنتاجها بالولاية حتى يباشر عمله فى الحفاظ على صحة القطيع.
وقال مختصون فى مجال الثروة الحيوانية لـ “دارفور 24” إن الإحتكاكات التى تحدث بين المزارعين والرعاة فى خريف كل عام، لم تتسع دائرتها فى الموسم الماضي بسبب عدم عبور الماشية للمناطق الشمالية من الولاية التى تقضي فيها فترة الخريف، بسبب التعقيدات الأمنية وقتها، مشيرين إلى ضرورة وضع إجراءات صارمة تمنع حدوث أي إحتكاك لهذا الموسم بجانب العمل على فتح المسارات والمراحيل التى شهدت بعضها إغلاق كامل نتيجة للتوسع في الزراعة خصما على المسارات والمراحيل، وتكون نتائجها إحتكاك بين المزارع والراعى.
قضايا فى انتظار الحل
وتشم محلية بليل الواقعة جنوب شرق نيالا، أكبر معسكرين للنازحين بجنوب دارفور هما مخيم كلمة والسلام، وينتشر سكان تلك المخيمات فى مناطق شاسعة بالمحلية فى خريف كل عام من أجل الزراعة مع بقية سكان المحلية، إلا إنهم وللدواعى الأمنية لم يتمكن غالبيتهم من الذهاب للزراعة وحتى الذين زرعوا الموسم الماضي لم يتمكنوا من الحصاد بحسب المنسق العام للنازحين واللاجئين بدارفور يعقوب محمد عبدالله فري الذي تحدث فى تصريحات سابقة لـ “دارفور 24”.
وقال إن واحدة من مسببات المجاعة وانعدام الغذاء فى مخيمات النازحين وتفاقم الأوضاع الإنسانية، عدم تمكن النازحين من الخروج للزراعة الموسم الماضي بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
وذكر عدد من المزارعين بمخيم كلمة للنازحين شرقي نيالا لـ “دارفور 24” إنهم ورغم عدم امتلاكهم الغذاء الذي يوفرون به وجبة أو وجبتين خلال اليوم، إلا أنهم لا سبيل أمامهم لتجاوز هذه المأساة الإنسانية فى ظل الحرب الدائرة، سوى التوجه نحو الزراعة، مطالبين بضرورة توفير الحماية لهم حتى يتمكنوا من تجهيز مزارعهم مبكرا وإنتظار المنظمات العاملة في مجال الزراعة لتوفير التقاوى الزراعية لهم.
وتوجد بمحلية بليل مساحات زراعية واسعة ذات إنتاجية عالية مثل حجير تونو، أم قونجا جنوبا والتى تنتج الدخن والفول السوداني، إضافة للمناطق الشمالية التى تنتج الذرة والدخن.
مطالب بتوفير الأمن
وقال كيل سلطان الداجو ورئيس المبادرة المجتمعية بمحلية بليل كمال عبدالرحمن أبكر إن بليل من المناطق الزراعية المهمة في ولاية جنوب دارفور.
وأضاف، فى حديثه لـ “دارفور 24″، إنهم كإدارة أهلية وفى إطار الترتيبات للموسم الزراعى عقدوا ثلاثة مؤتمرات فى المحلية وجاري التحضير لعقد المؤتمر الرابع بمنطقة أبقى راجل.
وأشار وكيل السلطان إلى أن المواطنين ورغم الغلاء فى المعيشة، إلا إنهم استعدوا للموسم الزراعى لأنهم إذا لم يتمكنوا من الزراعة هذا العام مع ظروف الحرب الحالية ستتضاعف معاناتهم.
وأضاف: إن الهم الأول الذي يؤرق المزارعين الآن هو توفير التقاوى الزراعية فى وقت مبكر لأن غالبية المزارعين يعتمدون على الزراعية بالوسائل التقليدية والدواب فى حراثة الأرض”.
وكد على أن الولاية لسنوات خلت كانت توزع التقاوى فى أوقات متأخرة جدا بعد أن يقوم المزارعين بالحراثة بموجوداتهم الذاتية، مناشدا المنظمات والخيرين بتوفير التقاوى لهم خلال شهري يونيو ويوليو حتى يتمكن المزارعون مبكرا فى الزراعة وضمان إنجاح الموسم.
وحول التحضيرات الأولية للموسم قال وكيل السلطان إن عدد كبير من المزارعين بمحلية بليل توجهوا نحو مزارعهم بغرض النظافة وانتظار هطول الأمطار، مقرا بوجود بعض العقبات من بينها نزوح أهالي بعض المناطق وفقدانها لمصادر المياه التى تعطلت مما يتطلب تحرك المنظمات العاملة في مجال المياه لإصلاحها فى تلك المناطق الواقعة الشمالية الشرقية للمحلية.
وفيما يتعلق بالناحية الأمنية، قال كمال لـ “دارفور 24” إنهم ناشدوا والى الولاية وكذلك قوات الدعم السريع بضرورة وضع خطة مبكرة للتأمين بدءا من التحضيرات وانتهاءا بموسم الحصاد لتدارك أس تفلتات أمنية قد تحدث.
وذكر وكيل السلطان أن المناطق الشمالية من المحلية إذا لم تتدخل دائرة الإنتاج لهذا الموسم سيكون هنالك مؤشر للمجاعة لأنها من أكبر مناطق إنتاج الذرة والدخن، وكذلك مناطق مرلا التى تنتج الذرة والدخن والتى خرجت عن الموسم السابق بسبب الأوضاع الأمنية، آملا بذل الجهود لدخولها دائرة الإنتاج لهذا الموسم.
وفرضت ظروف الحرب الدائرة في السودان واقعا مأساويا،خاصة فى الولايات التى شهدت معارك ضارية بين أطراف الحرب، وتسببت فى حرمان السكان من دخول المساعدات الإنسانية ومع إنعدام الغذاء وصلت بعض المناطق ومعسكرات النزوح إلى شبح المجاعة.