تقرير- دارفور24
ينشر موقع “دارفور24” على سلسلة حلقات رواية شهود عيان تُظهر لأول مرة جانب من حقيقة الصراع الدامي الذي انزلقت فيه مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور بعد تسعة أيام من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم.
وتمر هذه الأيام الذكرى الأولى لما عرف بـ”حرب الجنينة”، التي تباينت الأراء حول تصنيفها الحقيقي فبينما يرى بعض مواطني الولاية انها حرب قبلية قديمة متجددة بين “المساليت والقبائل العربية” يعتبرها آخرون اتساع لدائرة الحرب بين الجيش والدعم السريع في منطقة معقدة التركيبة السكانية وذات هشاشة أمنية وتفكك مجتمعي وسط انتشار كبير للجيوش والمليشيات المتناحرة.
كانت الأجواء في عاصمة ولاية غرب دارفور قبيل بدء الحرب في الخرطوم، يسودها التوتر الأمني وانتشار خطاب الكراهية والتمييز العنصري، وظهر التوظيف في كثير من المؤسسات الحكومية على أساس القبيلة لا الانتماءات التنظيمية والسياسية.
وبعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023م في الخرطوم استغلّ طرفي الصراع تعقيدات الأوضاع الأمنية والتحشيد القبلي في الجنينة للحصول على المقاتلين.
وكان واضحًا أن الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني تسعى جاهدة لنقل الحرب سريعًا إلى الجنينة ربما لشد الأطراف وتخفيف الضغط على الخرطوم وخصوصًا أن أغلب جنود قوات الدعم السريع ينحدرون من ولاية غرب دارفور.
كما أن حكومة غرب دارفور بقيادة الوالي الذي قتل لاحقًا خميس عبدالله أبكر، لم تكن بمعزل عن دائرة الصراع وكانت قوات حركة التحالف السوداني التي يقودها الوالي والمليشيات المتحالفة معها مثل “كولمبيا – وأولاد نيس” لا تخفي انحيازها للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، وقد انخرط مقاتلوها الذين ينحدرون من قبيلة المساليت رسميًا في الصراع ضد القبائل العربية المسنودة بقوات الدعم السريع.
خلال التسعة أيام “الفترة الزمنية الفاصلة ما بين حرب الخرطوم والجنينة ” شهدت المدينة ثلاث حوادث إطلاق قتل متفرق كان واضحًا أنها محاولة لإشعال الحريق في المدينة التي ترقد فوق براميل بارود الفتنة القبلية.
وبحسب مراسل “دارفور24″ الذي كان شاهد عيان على أحداث الجنينة منذ لحظة ما قبل الانفجار، أن قوة تتبع لحركة التحالف السوداني التي يقودها الوالي خميس أبكر، تحركت يوم 18 أبريل من منطقة كندبي شمال الجنينة نحو منطقة مستري جنوب المدينة لتتبع أثر حصان مسروق حسب ما رشح من أنباء، وفي طريقها الى وسط المدينة عبرت بـ”حي الجبل” مربع 6 الذي تقطنه القبائل العربية، حيث وأحد الجنود أطلق الرصاص على رأس أحد الأطفال اسمه ” محمد عبدالرحمن جبارة” لم يتجاوز عمره 10 سنوات قبل أن تلوذ القوة بالفرار.
الحادثة الثانية وقعت في يوم 21 من ابريل حينما أطلقت مجموعة تُسمى “عصابة كولمبيا” النار على أحد الأشخاص عند عبوره بالشارع الرئيسي بمنطقة الجمارك، كان الشخص ينتمي للقبائل العربية.
بينما وقعت الحادثة الثالثة يوم 22 أبريل أمام منزل الوالي خميس أبكر، حيث قام حراسه بإطلاق النار على سيارة كانت عابرة بالشارع الرئيسي ما أدى لمقتل ثلاثة أشخاص بينهم شقيقان جميعهم ينتمون للقبائل العربية، هم “محمد عيسي قباقي، حمدان عيسي قباقي، محمد موسى ابوه”.
وبعد ساعات عقدت قيادات القبائل العربية اجتماعًا عاصفًا مع لجنة الأمن بالولاية وبعد مواجهة الوالي بالحقائق التي تؤكد تورط قواته في الحوادث المذكورة أعلن التزامه بدفع ديات ضحايا الحادث الأخير.
الشاهد أن قيادات الادارة الأهلية وبعض الرموز المجتمعية بمدينة الجنينة لعبت ادوارا متواصلة تمكنت خلالها من وأد الفتنة مؤقتًا وتفويت الفرصة على من كانوا يسعون لايقاظها.
سارعت القيادات الأهلية وأبناء الولاية بمسمياتهم المختلفة لطرح مبادرة مجتمعية تحت شعار “معا من أجل استقرار ولاية غرب دارفور” برئاسة رئيس الادارة الأهلية وقتها زعيم قبيلة المساليت السلطان سعد عبدالرحمن بحرالدين، وبمشاركة قيادات طرفي الحرب القبلية “المساليت والقبائل العربية” لوقف جميع اشكال العدائيات ونبذ خطاب الكراهية.
وتنص المبادرة على بقاء قوات طرفي الحرب “الجيش والدعم السريع” في مناطق سيطرتهما وعدم التحرك إلا بتنسيق مسبق وإخطار لجنة أمن الولاية.
يوم 23 ابريل 2023م اجتمعت كل القيادات الأهلية والنقابات والأئمة والدعاة والتجار، وقيادات القبائل المحايدة واتفق الجميع بما فيهم حكومة الولاية على تنفيذ “فعالية لقاء جامع” في الساحة الرئيسية جنوب مستشفى الجنينة يخاطبها والي غرب دارفور خميس عبدالله أبكر، ونائبه تجاني الطاهر كرشوم، وقيادات قبيلتي المساليت والقبائل العربية للتبشير باتفاق وقف العدائيات وتطمين المواطنين وحثهم على أهمية التعايش السلمي وفتح الأسواق.
شرارة الحريق
وفي التاسعة من صباح يوم الاثنين الموافق الرابع عشر من يونيو وبينما بدأت جموع المواطنين والقيادات الأهلية في التقاطر صوب مكان اللقاء الذي كان منتظرًا منه قتل دابر الفتنة وتجنيب الجنينة الصراع، سُمع دوي إطلاق نار متقطع تطور سريعًا الى اشتباكات مباشرة في منطقة الجمارك غربي الجنينة، حيث مقر قيادة قوات الدعم السريع الذي يجاور مقر القوات المشتركة السودانيه التشادية.
وقد اتضح لاحقا أنها اشتباكات بين قوة تتبع للجيش السوداني تحركت من موقع سيطرتها في منطقة “اردمتا” شمال الجنينة الى غربها دون اذن مسبق من لجنة الأمن وتنسيق مع قوات الدعم السريع، بحسب ما نصت عليه المبادرة المجتمعية.
وحسب رواية الجيش التي حصل عليها مراسل “دارفور24” فإن القوة التي تحركت صوب الجمارك تتكون من عشرة سيارة كانت في طريقها الى مقر القوات المشتركة السودانية التشادية لاستلام سيارات حماية المدنين التي كانت تتواجد بداخل المقر القريب من قوات الدعم السريع.
واعتبرت قوات الدعم السريع والقيادات الأهلية الحادثة خرقًا لشروط المبادرة المجتمعية التي نصت على بقاء القوتين في مواقع سيطرتهما وعدم التحرك إلا بإخطار لجنة الأمن بالولاية.
وكانت هذه الحادثة هي الشرارة التي أشعلت حريق الجنينة بعدما خرجت الأوضاع عن السيطرة وباتت شوارع المدينة مسرحًا لقتال قبلي دام مسنود بمكونات الطرفين العسكرية في الدعم السريع وحركة التحالف السوداني تغذيه من خلف ستار أيدي استخبارات الفرقة 15 مشاة التابعة للجيش السوداني.
ويؤكد مراسل “دارفور24” أن شخصية كانت على علاقة وثيقة بإدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش السوداني، كان مقترحًا أن تتولى تقديم فقرات برنامج اللقاء الجامع المقرر لوأد الفتنة وتجنيب الجنينة الصراع، تغيبت عن الحضور لأن أحد عناصر الجيش طلب منها عدم الحضور الى برنامج المبادرة المجتمعية بحجة تلقيهم أوامر عليا بعدم قيام البرنامج وعليها البقاء في منزلها.
وفي الأثناء أصدرت مبادرة “معًا من أجل استقرار ولاية غرب دارفور” بيانًا بتاريخ 24 أبريل 2023م قالت فيه إن المبادرة حددت تاريخ الاثنين ٢٠٢٣/٤/٢٤م لفتح سوق مدينة الجنينة كبداية لإطلاق خطواتها الأولى للمساهمة في استعادة استقرار الحياة وعودتها الى طبيعتها، إلا أن المبادرة تفاجأت بإطلاق أعيرة نارية متزامنة مع انطلاقة برنامج المبادرة.
وتابع البيان “لا نعتقد أن هذا السلوك بريء إذ أنه من الواضح أن هنالك جهات تتربص بأمن المجتمع وتهدف إلى إشعال نار فتنة لا تُحمد عقباها، ولكن إرادة مجتمعنا وقياداته أقوى من ان تنزلق إلى مهاوي الفتنة”.
وطالب البيان جميع مكونات المجتمع أن يقفوا سداً منيعًا في وجه أي جهات تسبب فتنة مع العزل التام لأي سلوك إجرامي وقصره على من يرتكبه.
وناشدت المبادرة قيادات الجيش والدعم السريع بالبقاء في مواقعها وضبط النفس والحرص على سلامة المجتمع وتجنيب الولاية الإنزلاق في اتون الانفلات الأمني الشامل ال فوضى العارمة”.
اتساع دائرة المعارك
على أرض المعارك توقفت الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في منطقة الجمارك بعد ساعتين لكنها تحولت الى منطقة حي الجبل التي تقطنها قبيلتي “المساليت والمجموعات العربية”.
في حديث خاص لـ”دارفور24″ قالت إحدى النساء كانت تقطن حي الجبل مربع 2 الذي تسكنه قبيلة “المساليت” إن السكان عند سماعهم اطلاق النار المفاجيء في الجمارك خرجوا الى الشوارع لاستبيان الأمر فوجدوا سيارتين لاندكروزر تحملان أسلحة رشاشة وجنود مسلحين إحدى السيارتين تتبع للجيش السوداني والأخرى للتحالف السوداني كانتا تقفان في حي الجبل مربع 2 وتطلقان النار على الجبل مربع 3 الذي تقطنه القبائل العرببة.
في الواقع كانت هنالك معركتان إحداهما بين الجيش والدعم السريع في منطقة الجمارك، والأخرى بين قبيلة المساليت والمليشيات المتحالفة معها من قوات حركة التحالف السوداني وكولمبيا وأولاد نيس، ضد القبائل العربية المسنودة من قوات الدعم السريع.
تطورت المعارك سريعًا في يومها الأول وتمكنت فيها قوات الدعم السريع ومليشيات القبائل العربية المتحالفة معها، من السيطرة على مقر قيادة القوات المشتركة السودانية التشادية، والاستيلاء على السيارات والمعدات العسكرية بعد معركة عنيفة راح ضحيتها قتلى وجرحى من الجانبين.
بعد 4 ساعات فقط من اندلاع المعارك المعارك عمت الفوضى وانهارت المؤسسات الأمنية بالكامل، حيث بسطت مليشيات قبيلة “المساليت” سيطرتها على مقر رئاسة قوات الشرطة والاستيلاء على مخازن السلاح التي اتضح أن بها أكثر من 9000 قطعة سلاح خفيفة وثقيلة وعدد 7 دبابات وكمندرات و12 سيارة لاندكروزر، كما تمكنت من السيطرة على مقر جهاز المخابرات الوطني والاستيلاء على الآليات والسلاح.