وكالات- دارفور24
يخاطر العاملون الإنسانيون بحياتهم في سبيل إنقاذ الأرواح وحمايتها وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة، فهم يقفون جنبا إلى جنب مع أبناء المجتمعات التي يخدمونها ويجلبون لهم الأمل.
في السودان يعاني هؤلاء العاملون الإنسانيون الأمرّين في سبيل مساعدة الناس الذين قلبت الحرب حياتهم رأسا على عقب. لكن عمال الإغاثة يدفعون ثمنا باهظا في سبيل القيام بهذا الواجب النبيل. فمنذ بداية الحرب الحالية (وحتى منتصف الشهر الحالي) لقي ما لا يقل عن 19 منهم مصرعهم.
المجلس النرويجي للاجئين- المنظمة الشريكة للأمم المتحدة- فقد اثنين من العاملين السودانيين التابعين له في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي تحييه الأمم المتحدة، سنويا، في 19 أغسطس، أجرينا حوارا مع السيدة ماتيلد فو، مديرة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين لتسليط الضوء على الأوضاع الصعبة التي يمر بها العاملون الإنسانيون في السودان.
الشيخ: نازح وعامل إنساني
الشيخ وأبوبكر عاملان إنسانيان كانا يعملان مع المجلس النرويجي في مدينة الجنينة، ولقيا حتفهما خلال الهجوم العنيف على المدينة. حدثتنا ماتيلد عن الشيخ فقالت: كان الشيخ عاملا مجتمعيا، وكان نازحا يعيش في أحد مخيمات النازحين بالقرب من مدينة الجنينة. نزح الشيخ منذ فترة طويلة. تعرضت عائلته للهجوم منذ بضع سنوات، وكان يعيش وضعا صعبا وظروفا معيشية قاسية للغاية. عمل معنا في مجلس اللاجئين النرويجي وتمثلت مهمته في التواصل مع المجتمع المحلي. على سبيل المثال، كان يخبر الناس قبل أي عملية لتوزيع المساعدات. كان يجمع أيضا المعلومات حول الاحتياجات في المخيم ثم يتصل بالمجلس النرويجي للاجئين ويخبرنا إذا حدثت أي مشكلة في المخيم”.
قتل الشيخ في منتصف شهر مايو خلال الهجوم الذي استهدف مدينة الجنينة وأسفر عن مقتل وجرح المئات وتشريد الآلاف.
تقول ماتيلد إن المهاجمين لم يضعوا “أدنى اعتبار للمدنيين أو حياتهم. تم إحراق الكثير من مخيمات النازحين التي كان الشيخ يسكن في واحد منها. لقد شق علينا نعيه”.
أبوبكر شخص إيجابي ومحبوب لدى الكل
لم يمض على مقتل الشيخ سوى شهر واحد حتى قُتل عاملٌ إنسانيٌ آخر يتبع للمجلس النرويجي للاجئين، وهو الزميل أبو بكر الذي قتل أمام منزله في مدينة الجنينة. تقول عنه ماتيلد “لقد تأثرنا جدا بمقتله. انضم إلينا أبو بكر في أكتوبر 2021 وكان شخصا إيجابيا للغاية. كان معروفا جدا في المجتمع، وكان على دراية تامة بمخيمات الجنينة. كان يهتم جدا بمساعدة المجتمع. قتل أمام منزله أثناء اندلاع العنف. في تلكم اللحظة، كنا قد أوقفنا بالفعل أنشطتنا في غرب دارفور. اضطررنا إلى إيقاف أنشطتنا في وقت مبكر جدا، مع نهاية نيسان/أبريل، لأنه كان من الخطير جدا على الزملاء التواجد في مدينة الجنينة. حوصر الكثير من زملائنا في منازلهم. نفد الماء والطعام عند الكثيرين منهم. لم يكن بإمكانهم السير في الشوارع بسبب وجود القناصة. لذلك، طلبنا منهم البقاء في منازلهم لأطول فترة ممكنة”.
رغم أن مقتل أبو بكر حدث في مطلع يونيو، تشير ماتيلد إلى عدم التمكن من تأكيد خبر وفاته إلا بعد أكثر من ثلاثة أسابيع بسبب تعطل شبكة الاتصالات في غرب دارفور، تماما مثلما كان الحال في كافة أنحاء دارفور.
وتضيف “كان من الصعب علينا الاتصال بأسرته ومحاولة التحقق من خبر وفاته. ولم نتمكن من تأكيد ذلك إلا في وقت لاحق جدا عندما تمكنت عائلته من عبور الحدود إلى تشاد. لقد شقّ علينا نعْيه. أفكر في جميع زملائنا، في الخرطوم ودارفور وأماكن أخرى ممن فقدوا أيضا أقاربهم”.
“لم أكن أتوقع أن أعيش هذه التجربة بنفسي”
سألنا السيدة ماتيلد فو عن كيفية تصرف العاملين الإنسانيين في الميدان لمساعدة المحتاجين في خضم الحرب الدائرة في السودان، فأجابت بالقول إن أوضاعهم “صعبة للغاية”، مشيرة إلى أن عمال الإغاثة- وكلهم سودانيون- هم أول من يتعرض للهجوم.
ومضت قائلة: كل شخص يعمل في المجال الإنساني الآن في السودان لديه قريب أو صديق تأثر بطريقة أو بأخرى بسبب هذه الحرب، إما لأنهم أجبروا على مغادرة منازلهم أو لأنهم أصيبوا أو أصيب أقاربهم. كنت أتحدث مع زميلة لي في وقت سابق، وهي صغيرة في السن، وهي تعمل معنا منذ ثلاث سنوات. كانت تخبرني أنه عندما بدأت العمل مع المجلس النرويجي للاجئين عاملة في المجال الإنساني، كانت تتعامل مع أزمة اللاجئين الإثيوبيين الذين عبروا من الحرب في إقليم تيغراي، ولم تكن تتوقع أنها ستضطر إلى أن تعيش هذه التجربة بنفسها. وكانت ترى اللاجئين يأتون وكانت تمني نفسها ألا تعيش تجربة مماثلة لتجربتهم. ولكن هي نفسها الآن نازحة وعائلتها نازحة، وهي المعيلة الوحيدة لأسرتها وعليها العمل في بيئة صعبة للغاية الآن في بلد غير مستقر للغاية. وهي تعمل في شرق البلاد، ولكن لا نعرف أبدا ماذا يمكن أن يحدث. وهي دائما قلقة على عائلتها وأصدقائها”.
وكان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيثس قد قال إن الحرب في السودان جعلت البلاد من أصعب الأماكن التي يمكن العمل فيها الآن.
وتتفق ماتيلد مع السيد غريفيثس، “لأن هناك صدمات وصعوبات يتعين على زملائنا تحملها كل يوم، فهم، بالإضافة إلى تجربتهم الخاصة مع الحرب، يتعين عليهم البقاء هناك لخدمة الأشخاص المحتاجين بشدة. وبالتالي فإن هذا أمر صعب للغاية”.
العاملون الإنسانيون ليسوا هدفا
سألنا السيدة ماتيلد فو، مديرة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين عمّا إذا كان لديها رسالة توجهها للأطراف المتنازعة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني،
فقالت “منذ بداية الحرب، يبدو أن أطراف النزاع قد تجاهلت تماما القانون الإنساني الدولي والمبادئ التي يتضمنها. فقدنا زملاءنا، وكان بعضهم في الخدمة عندما لقوا حتفهم. نُهبت مكاتبنا وسياراتنا وأفرغت مستودعاتنا، وكل هذه الموارد كانت مكرّسة لمساعدة الآخرين وهذا انتهاك خطير للغاية.
يجب أن يتم تنبيه أطراف النزاع إلى أننا لسنا هدفا. والجهات الفاعلة الإنسانية ضرورية في الوقت الحالي في خضم هذه الكارثة الهائلة التي أمامنا: حرب مشتعلة، وموسم ممطر، وأزمة جوع، وانهيار الرعاية الصحية. بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، يجب التأكيد، بحزم، على أطراف النزاع أن العاملين الإنسانيين ليسوا هدفا، وهذا يمتد بوضوح إلى كل من المدنيين والموظفين الطبيين في جميع أنحاء السودان وجميع المتطوعين في الخطوط الأمامية الذين يضحون بحياتهم من أجل خدمة المحاصرين في العنف. هم بحاجة إلى أن يتم تذكرهم وهم بحاجة إلى الحماية”.