نيروبي- دارفور24
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم الأربعاء إن “قوات الدعم السريع” والميليشيات العربية المتحالفة معها أعدمت بشكل بغير قانوني في 28 مايو 2023 في ولاية غرب دارفور قرابة 28 فردا من قبيلة المساليت وقتلت وجرحت عشرات المدنيين، وأكدت ان العديد من هذه الانتهاكات المرتكبة في سياق النزاع المسلح في السودان ترقى إلى جرائم حرب.
وبحسب المنظمة فإن عدة آلاف من مقاتلي الدعم السريع- وهي القوة العسكرية المستقلة التي تخوض نزاعا مسلحا مع الجيش السوداني- وميليشيات عربية هاجموا ممطقة “مستري” التي يقطنها عشرات الآلاف من قبيلة المساليت، وقتلوا الرجال والنساء والاطفال في منازلهم وفي الشوارع وأثناء محاولتهم التواري والفرار، ونهبت هذه القوات لاحقا معظم أنحاء المدينة وأحرقتها، مجبرةً الآلاف من سكانها على الفرار عبر الحدود إلى تشاد.
قال جان- باتيست غالوبان، باحث أول في الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “منذ اندلاع النزاع في السودان في أبريل الماضي، وقعت بعض أسوأ الفظائع في غرب دارفور. حيث يُظهر القتل الجماعي بحق المدنيين والتدمير الكامل لقرية مستري ضرورة اعتماد رد دولي أقوى على النزاع الآخذ في الاتساع بحسب المنظمة الأممية.
وأضافت “هيومن رايتس ووتش” ينبغي للأطراف المتحاربة في السودان وقف مهاجمة المدنيين والسماح بوصول آمن للمساعدات. وعلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في هذه الهجمات كجزء من تحقيقه في دارفور.
وقالت المنظمة في تقري اطلعت عليه دارفور24 انها قابلت خلال رحلة بحثية في يونيو المنصرم 29 ناجياً من الهجوم على منطقة “مستري” فروا إلى تشاد المجاورة، وحجبت المنظمة اسماهم خوفاً عليهم من الانتقام.
ويُظهر تحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الكشف عن الحرائق احتراق ست بلدات وقرى أخرى في غرب دارفور، منها “مولي، ومورني، وجوكور”
قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا 37 لاجئا من أجزاء أخرى من غرب دارفور، بما فيها الجنينة وقرى تندلتي، وأديكونغ، ومولي، وصفوا انتهاكات مماثلة. وظهرت أضرار حرائق واسعة النطاق- متعمدة على ما يبدو في الجنينة- طالت بشكل رئيسي على الأماكن التي كان يعيش فيها آلاف النازحين خلال الهجمات السابقة.
وأوضحت هيومن رايتس ووتش انها شاركت نتائجها الأولية مع مستشار لقائد قوات الدعم السريع، وطرحت عليه أسئلة حول انتشار قوات الدعم السريع والخطوات المتخذة لمحاسبة الجناة، لكنها لم تتلقَّ أي رد حتى كتابة هذا التقرير.
وكانت ولاية غرب دارفور منذ العام 2019 بؤرة لدورات العنف ضد المجموعات السكانية غير العربية ونزوح تلك المجموعات، حيث احتدم في منتصف أبريل القتال في مناطق سودانية أخرى، ما ادى الى مغادرة “القوات المسلحة السودانية” وقوات الشرطة المحلية المتمركزة في مستري في منتصف مايو، بينما اشتبكت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية مع مجموعة شكّلتها قبيلة المساليت للدفاع الذاتي.
وذكر التقرير ان في 28 مايو حاصرت قواتُ الدعم السريع وميليشيات عربية منطقة “مستري” على دراجات نارية وخيول وسيارات “بيك-أب” واشتبكت مع مقاتلي المساليت، وأطلق المهاجمون-بحسب المنظمة- النيران من البنادق الهجومية، ومدافع الصواريخ المباشرة، والرشاشات المثبتة على الآليات على سكان البلدة الذين حاولوا الفرار.
وقال رجل عمره 76 عاما: “أطلقت قوات الدعم السريع والعرب النار علينا في ظهورنا، ورأيت ثلاثة يركضون، ويُطلق عليهم النار، ويسقطون على الأرض قرب محل بقالة”.
وأضاف: لاحق المهاجمون الأشخاص الذين يبحثون عن الأمان في المدارس والمسجد، التي فر إليها العديد من النساء والأطفال، وكذلك أعضاء مجموعة الدفاع الذاتي- مسلحي المساليت- الذين أصيبوا في وقت سابق، إلى مجمع مدارس يقع على الطرف الشمالي من البلدة، حيث دخل المهاجمون بشكل متكرر قاعات الدراسة بحثاً عن الرجال ونفذوا إعدامات ميدانية بحق الذين وجدوهم.
قالت امرأتان كانتا قد لجأتا إلى مدرسة إن المهاجمين أعدموا ثلاثة رجال ميدانيا ورشّوا قاعة دراسة بالرصاص، فجرحوا ثلاث نساء وطفلين بجروح بالغة.
قالت إحدى النساء: “كانوا يسألون عن الشباب الذين يحمون القرية. ويقولون: ’أين الرجال؟ أين الصبية؟ نريدهم كلهم! نريد قتلهم! لماذا لم تفروا وتغادروا البلاد؟ لماذا لا تزالون هنا؟ ماذا تنتظرون؟‘”.
ونهب المهاجمون طول اليوم ممتلكات السكان، إذ سرقوا الماشية، والبذور، والأموال، والذهب، والهواتف، والأثاث، وبعد نهب المنازل، أشعل المهاجمون النار فيها.
وقالت ممرضة عمرها 35 عاما: “غطّى الدخان البلدة بأكملها” وهو الأمر الذي أكده تحليل صور الأقمار الصناعية احتراق البلدة بشكل شبه كامل، لا سيما المناطق السكنية.
واشار التقرير الى ان القوات المهاجمة انسحبت في ذلك المساء، وبدأ الأهالي في البحث في الشوارع وداخل المنازل والمدارس عن الناجين والجثث، حيث دُفنت رفات 59 شخصاً على الأقل في مقابر جماعية.
وقال مسؤولون محليون إنه تأكد في وقت لاحق مقتل 97 شخصاً، بينهم أفراد في قوة الدفاع الذاتي، وسجّلت هيومن رايتس ووتش مقتل قرابة 40 مدنياً، بينهم امرأة، وإصابة 14 مدنيا، بينهم خمس نساء وأربعة أطفال.
ووفقا للأمم المتحدة، منذ اندلاع النزاع في أبريل الماضي نزح أكثر من 300 ألف شخص داخل غرب دارفور وحدها، وفرّ 180 ألفا آخرون إلى تشاد، مبينةً ان حوالي 98% من الواصلين إلى تشاد المسجلين هم من المساليت، ما يزال حوالي 17 ألف لاجئ من مستري في منطقة “قونغور” في تشاد قرب الحدود.
فيما لا تزال الاستجابة الإنسانية في تشاد تشهد نقصا كبيرا في التمويل، وتوقفت عمليات الإغاثة إلى حد كبير في أواخر أبريل الماضي في غرب دارفور في أعقاب الهجمات على المساعدات الإنسانية والممتلكات، فضلا عن انتشار انعدام الأمن في المنطقة. قال عامل إغاثة إن دارفور “مقطوعة إلى حد كبير عن المساعدات الجديدة”.
وأكد التقرير أنه ينبغي لـ “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” الدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن وبدون عوائق إلى جميع أنحاء دارفور. وأن على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والحكومات الأخرى، و”الاتحاد الأوروبي”، و”الاتحاد الأفريقي”، إقرار وفرض عقوبات فورية محددة الهدف ضد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بغض النظر عن مناصبهم أو رتبتهم.
كما ينبغي لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الهجوم على مستري وقرى وبلدات أخرى في غرب دارفور كجزء من تحقيقه في دارفور، وينبغي للمدعي العام تسليط الضوء على خطط التحقيق خلال إحاطته المقررة أمام مجلس الأمن في 13 يوليو.
قال جان- باتيست غالوبان، باحث أول في الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “تعكس روايات الناجين من الهجمات الأخيرة في غرب دارفور الرعب، والدمار، واليأس في دارفور قبل 20 عاما، لذلك على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في هذه الانتهاكات الشنيعة، وعلى شركاء السودان الدوليين والإقليميين معاقبة قوات الدعم السريع وقادة الميليشيات العربية المسؤولين عن هذه الهجمات”.