نيالا- دارفور24
منذ ان وقعت الهجمات المسلحة على قرى شمال شرق محلية بليل شرقي عاصمة جنوب دارفور في أواخر ديسمبر الماضي تدافعت جهات رسمية وشعبية لتقديم العون والمساعدات للمتضررين، كما تضافرت في الوقت ذاته جهود الأجهزة الحكومية لتوفير الأمن والحماية للمواطنين الذين استجابوا لنداءات العودة لقراهم التي فروا منها بسبب الهجمات، بينما تسلمت حكومة جنوب دارفور- قبل يومين- تقرير لجنة التحقيق في الأحداث.
* القصة وابعادها
في يونيو الماضي قرر “محمد ابكر” العودة مع عائلته من مخيم دريج للنازحين بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور الى قريته “أموري” التي هجرها قبل سنوات، بسبب النزاعات التي شهدتها المنطقة ضمن حالة الاضطراب التي عمت دارفور.
محمد اختار هذا التوقيت- حسب حديثه لدارفور24- لتزامنه مع موسم الزراعة المطرية كي يتمكن من فلاحة أرضه ويوفر مع افراد عائلته قوت عامهم، أملاً في الاستقرار عقب هذا الموسم دون غيره من المواسم التي اعتاد أن يعود فيها للقرية ليزرع ثم يحصد ويعود للمخيم مرة أخرى بسبب عدم اطمئنانه على البقاء في قريته، لكن حدث ما كان يخشاه فقد وقع هجوم على القرية في مطلع يناير الحالي، وقضى على كل احلامه في الاستقرار في قريته، وأفقده الهجوم ثلاثة من أقربائه واصيب والده بجروح، اضافة الى مقتل واصابة العشرات من سكان القرية والقرى المجاورة لها.
* خيمة سيادية الرماد
بعد شهر من الاحداث التي شهدتها قرى شمال شرق محلية بليل بجنوب دارفور لم يبدِ محمد أبكر “33 عاماً” تفاؤله بعودة الحياة كما كانت في منطقته “أموري” على الرغم تطمينات نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الذي زار المنطقة عقب الاحداث، ونصب خيمته في قرية “أموري” التي بدأت منها هجمات مسلحي قبيلة الرزيقات، وتمكن بعد اربعة أيام من ايصال طرفي النزاع “الرزيقات والداجو” الى التوقيع على وثيقة لوقف العدائيات في المنطقة.
نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع الفريق اول محمد حمدان دقلو وصل الى المنطقة في اليوم الثالث للأحداث على خلفية إنتشار فيديو ظهر فيه عدد من افراد قواته في المنطقة اثناء اندلاع الحريق في احدي القرى، وتوعد دقلو بملاحقة المشاركين في الأحداث وتقديمهم للعدالة وتعهد بإعادة الإستقرار للمنطقة.
لكن “محمد أبكر” برر عدم تفاؤله بقوله لدارفور24″ إن سكان القرية سمعوا أصوات الرصاص بعد يوم واحد من مغادرة حميدتي المنطقة دون أن تلاحق القوات التي نشرها حميدتي مصدر الرصاص، وقال انه عاد الى قريته لأجل المحافظة على ارض أجداده، واضاف “عدت للمنطقة من أجل أرض أجدادي، ولكن ليس هناك ما يطمئني لاعادة أبنائي الخمسة وزوجتي من مخيم دريج بمدينة نيالا الذي فررنا إليه”
* انتشار عسكري
ونشرت الحكومة أكثر من 400 جندي من القوات المشتركة “الجيش والشرطة والدعم السريع والمخابرات العامة” بقيادة اللواء دعم سريع عبدالله أبكر محمد باشا، الذي طمئن أهالي مناطق شمال شرق محلية بليل بأن القوات ستظل باقية الى أن تستقر الأوضاع، وأنه سيتابع تنفيذ المشروعات الخدمية التي إلتزم بها نائب رئيس مجلس السيادة أثناء إقامته بالمنطقة، وقال باشا لدارفور24 إن قواته تم انتشارها من أقصي الشمال للجنوب لتأمين عودة المواطنين لمناطقهم.
فيما تفاءلت حواء هرون- 23 عاماً وهي ام لاربعة اطفال- بانتشار القوات الحكومية في منطقتها “حجير سمبو” شمال قرية أموري، لكنها لم تكن مطمئنة لدرجة أنها تركت أبناءها الأربعة مع شقيقتها بمنطقة “دُمة” التي فروا إليها وهي تبعد نحو 44 كيلومتر شمال نيالا عاصمة الولاية.
حواء قالت- وهي تجمع انقاض منزلها الذي دمره الهجوم- ان انتشار القوات ووصول المنظمات والمساعدات للأهالي دفع اعداد كبيرة من المواطنين الذين فروا الى العودة لقراهم، وقالت لدارفور24 اننا نحتاج في الوقت الراهن لتوفير الأمن، والغذاء والمساكن ومياه الشرب، وأضافت “المنظمات وزعت لنا كرانك لكن ما عندنا أغطية وفرشات للنوم، ونواجه صعوبة في الحصول على الماء”.
وقالت فائزة حامد 27 عام من منطقة “أبوعضام” لدارفور24 أن أسرتها المكونة من ثلاثة أبناء وبنت ووالدتها وأخواتها الأربعة ما زالوا يقيمون بمخيم عطاش بمدينة نيالا وأضافت” جئت لبناء منزلي، والتأكد من أن المهاجمين لن يعودوا مرة أخرى”
* تدفق المساعدات
رصدت دارفور24 تدفق مساعدات انسانية للمناطق المتاثرة بالاحداث عبر القوافل الشعبية التي سيرتها حكومة اقليم دارفور، قوات الدعم السريع، وبعض المؤسسات الحكومية والمحليات ومنظمات المجتمع المدني بالولاية وعدد من القبائل طيلة الايام الماضية، وقال مفوض العون الانساني بمحلية بليل محمد عبدالكريم النضيف لدارفور24 إن المساعدات تدفقت للمتضررين من عدة جهات، لكنه رفض الافصاح عن حجم تلك المساعدات وكيفية توزيعها للمتضررين.
في الجانب الآخر من قرية “أموري” أعادت بعض المحلات التجارية نشاطها وبدأ سوق المنطقة يستقبل الباحثين عن احتياجاتهم اليومية، كما ووقف موفد دارفور24 على محلات لتجارة الخضروات واللحوم بجانب “وابور” لطحن الغلال تبرع به نائب رئيس مجلس السيادة الفريق اول حميدتي، في الوقت يشكو البعض عن نقص مواد الإيواء، وقال إن معظم سكان القرى المأثرة رفضوا الذهاب لقراهم وآثروا البقاء بمنطقة “أموري” التي يتم فيها استقبال وتجميع المساعدات التي تقدمها القوافل للمتضررين.
وعلى الرغم من أن حميدتي تعهد ببناء المنازل التي تم حرقها الا انه حسب مواطنين تم بناء حوالي 100 قطية و150 التي تعهد بها حميدتي، فيما لم يف والي جنوب دارفور ببناء 500 كرنك رغم مضي أكثر من شهر منذ تبرعه بها في احتفال التوقيع على وثيقة وقف العدائيات بين الرزيقات الداجو، فضلاً عن انه حتى الآن لم يتم البدء في تشييد مراكز الشرطة والمركز الصحي والمسجد.
* اتفاق وقف العدائيات
حتى الآن صمدت وثيقة التعايش السلمي بين الداجو والرزيقات التي تم التوقيع عليها امام نائب رئيس مجلس السيادة الفريق اول حميدتي، ونصت الوثيقة على تعزيز فرص السلام، وبناء النسيج الاجتماعي، وتحقيق التعايش بين المكونات المحلية، واحترام الأعراف والتقاليد والموروثات الإنسانية، ونبذ العنف بكل أشكاله ومحاربة الظواهر السالبة.
وأكدت الوثيقة على الإلتزام بفتح الأسواق وموارد المياه والطرق العابرة، ونبذ الصراعات والكراهية والعنصرية والجهوية، ومنع حمل السلاح في الأماكن العامة، ومساعدة الأجهزة الأمنية في إنفاذ قانون الطوارئ وتقديم العون للجنة التحقيق في عملها حتى تكشف الحقائق للجميع.