الخرطوم: شمائل النور
مع اتساع دائرة التوترات القبلية في عدد من مناطق البلاد، واستمرار غليان الشارع السوداني الرافض لانقلاب قائد الجيش؛ عبد الفتاح البرهان رافعاً للشعارات الجذرية ”لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية“، يتكثف الضغط الغربي على الأطراف المدنية والعسكرية بغية التوصل لاتفاق يشكل حكومة مدنية؛ في سباق مع الزمن لمنع انهيار البلاد،اقتصادياً وأمنياً، كما يسعى الأمريكيون والأوربيون لتحجيم الوجود الروسي في السودان الذي توسع خلال الفترة التي تلت انقلاب 25 أكتوبر 2021.
أكّد بيان مشترك باسم دول “الترويكا” أخيراً، موقفهم مما يجري في السودان، وطالب بتسريع التفاهم بين كل الفاعلين للوصول لتشكيل حكومة مدنية مقبولة. وشدد البيان على ضرورة أن يلتزم الجيش بالخروج من العمل السياسي، وفقاً لما جاء في خطاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مطلع يوليو الجاري، حينما أعلن خروج القوات المسلحة من عمليات التفاوض الجارية حالياً تحت منصة بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونتامس)، الاتحاد الأفريقي و إيغاد في ما يعرف بـ”الآلية الثلاثية“.
حراك إقليمي ودولي .. انسداد داخلي!
يجري هذا وسط تحركات إقليمية ودولية عديدة؛ آخرها الوساطة الأمريكية-السعودية بين المكون العسكري والحرية والتغيير ”المجلس المركزي“ خارج منصة الآلية الثلاثية التي ترعى عملية سياسية باتت الآن شبه معلقة، وحتى الوساطة الأمريكية-السعودية لحقت بالآلية الثلاثية وأصبحت في وضع ”شبه معلق“. ويقول المتحدث الرسمي باسم المجلس المركزي ”للحرية والتغيير“ شهاب إبراهيم في مقابلة مع ”دارفور24“ إن المكون العسكري لم يرد أو يعلق على رؤية المجلس المركزي الذي تقدم بها للوساطة الأميركية-السعودية حول القضايا محل النقاش، وتنص رؤية ”المجلس المركزي“ على مجلس سيادة مدني يتكون من 5 أشخاص، وهو مجلس بلا صلاحيات، ومجلس الأمن والدفاع تحت سلطات رئيس الوزراء، ولديه صلاحيات رفع التوصيات وليس اتخاذ القرارات، ومجلس أعلى للقوات المسلحة وهو موجود قبل الانقلاب، ووفقاً لشهاب لا مجال لعودة أي شراكة.
غير أن رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي وهو أبرز قادة الحرية والتغيير ”التوافق الوطني“، يرى أن الأزمة لم تبدأ بانقلاب البرهان بل هي متراكمة منذ عقود. ووفقاً لمناوي الذي تحدث ”لدارفور 24“ أن الحل يبدأ بإعادة الأزمة إلى عناصرها الأولية، وهي أزمة سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية تم تأجيل حلها“ ومناوي الذي تنطلق أدبيات حركته من فلسفة المركز والهامش يعتقد أن الأزمة لم تكن في البشير أو حمدوك أو غيرهم وفقاً لتعبيره ويجمل الحل من وجهة نظره في ”الإقرار بالتنوع ووضع كيفية لإدارته“.
وتفجرت الأزمة على نحو بالغ في أعقاب انقلاب قائد الجيش؛ عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021 الذي أكمل ثمانية أشهر دون إحراز خطوة في اتجاه تشكيل حكومة ومع استمرار وتيرة التصعيد الذي تقوده لجان المقاومة والحزب الشيوعي بشكل رئيسي ازداد المشهد السياسي، والأمني والاقتصادي تعقيداً، حيث بدا بوضوح حالة الانسداد التي سيطرت على كل الفاعلين، ويتمسك قائد الجيش بضرورة وحدة القوى المدنية التي اتسعت شقة الخلاف بينهما عقب انقلاب 25 أكتوبر لتصبح ثلاث كتل رئيسية، الحرية والتغيير ”المجلس المركزي“ المنقلب عليها، الحرية والتغيير ”التوافق الوطني“ التي تضم بشكل رئيسي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وكتلة لجان المقاومة والحزب الشيوعي بجانب حركتي؛ تحرير السودان- عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو.
نشطت مبادرات وطنية عديدة عقب الانقلاب؛ تقودها شخصيات مستقلة وشبه مستقلة انتهت جميعها إلى عودة رئيس الوزراء المنحلة حكومته؛ عبد الله حمدوك باتفاق 21 نوفمبر 2021 والذي نال نصيب وافر من رفض الشارع وكذلك قوى سياسية رئيسية، الأمر الذي شكل ضغط مضاعف على عبد الله حمدوك الذي اضطر لتقديم استقالته في يناير 2022 مما قاد إلى المزيد من تأزم الوضع السياسي وصعود الدور الإقليمي والدولي بشكل بارز.
العسكر للثكنات…ما إمكانية ذلك؟
يقول المتحدث الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم عمر زهران، في مقابلة بالهاتف مع ”دارفور 24“ إن الخلاف مع العسكريين خلاف أخلاقي ابتداء، وأن بناء الثقة مجدداً مع المؤسسة العسكرية يبدأ بتنحي أعضاء مجلس السيادة الخمسة وتقديمهم للمحاسبة، مؤكداً أن ”المؤسسة ليست أشخاص“ وترى لجان المقاومة من الضروري وضع قضية الجيوش المتعددة في مسارها بغض النظر عن التفاصيل الفنية والزمنية وصولاً إلى هيكلة شاملة للقطاعين؛ العسكري والأمني، ولا يتمسك زهران موقف متصلب من الحوار مع القوى السياسية إذ يقول ” نحن على استعداد للجلوس مع القوى السياسية للتباحث في شأن المواثيق المطروحة“ وطُرحت عدد من المواثيق بواسطة لجان المقاومة التي تعمل الآن على دمجها جميعاً انطلاقاً من القضية الجوهرية، مدنية الدولة، وفقاً لزهران.
لكن يبدو أن مطلب لجان المقاومة الرئيسي حول وضع العسكريين لم يُطرح للنقاش في غرف الحوار منذ انقلاب 25 أكتوبر. يقول المتحدث الرسمي باسم المجلس المركزي شهاب إبراهيم إن قضية خروج العسكر من المشهد لم تناقش على الإطلاق، إن كان ذلك على مستوى اللقاءات غير الرسمية أو الرسمية لكن رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي يرى أن المطلوب تقصير الفترة الانتقالية وليس إنهاء دورهم فيها. وباختصار، يقول إن ”الحل عندنا وعدم الحل عندنا أيضاً“، وهو يشير للقوى السياسية جميعها.
وأعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، مطلع الشهر الجاري، انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار الوطني، ودعا القوى السياسية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مدنية.
وقال البرهان في خطاب بثه التلفزيون إن الجيش ينسحب من الحوار -الذي يجري برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة التنمية لشرق ووسط أفريقيا (إيغاد)- لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية.
وأضاف “قررتُ عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في حوار الآلية الثلاثية لإفساح المجال لبقية المكونات السياسية”.
وفي الوقت ذاته، أكد البرهان أن القوات المسلحة تؤكد دعمها لجهود الآلية الثلاثية.
كما أعلن وسطاء دوليون في السودان، مطلع يوليو الجاري، تعليق “إجراءات العملية السياسية” لـ”تقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة السودانية”.
وعزت الآلية الثلاثية، المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية، قرارها الانسحاب المكون العسكري من الاجتماعات وعدم استمراره في اجتماعات مع المكون المدني إلّا بعد حدوث اتفاق مدني-مدني.
وبدأت بعثة الأمم المتحدة، منذ الثامن من يناير الماضي، مساعي لحل الأزمة التي أعقبت انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، ولاحقاً انضم كل من الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيقاد” إلى تلك الجهود، وشُكِّلَت آلية ثلاثية لتسهيل الحوار بين الفرقاء السودانيين.
وأوضحت الآلية، طبقاً خطاب بعثت به إلى القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية التي ترعاها، أنه “من دون مشاركة الجيش كعنصر أساسي، لن تكون هناك جدوى من المحادثات على شكلها الحالي”، الذي بدأ باجتماع الثامن من يونيو الماضي.
ووعدت الآلية بـ”الانخراط مع كل القوى السياسية وأصحاب المصلحة من أجل تقديم أفضل السبل للمضي قدماً نحو حل سياسي” الأزمة في السودان.
ولا تبدو مسألة وحدة قوى الثورة قريبة، في حين اشتد التنافس بين المكونات العسكرية، على الحكم وسط حالة استقطاب إثني لم تعد خافية. ويبقى أن أي تسوية لا تصطحب الجميع ولا تخاطب علاقة العسكريين بالحكم ستقود إلى المزيد من الانقسام بين قوى الثورة.