تقرير مشترك- دارفور24 وذماراولاين
لا تزال عادة “الثأر” منتشرة في اقليم دارفور غربي السودان ومحافظة ذمار اليمنية، وهما منطقتان ذات طابعٍ قبلي وعشائري، ويضعف فيهما الدور الحكومي وسيادة القانون، ففي ذمار ودارفور تنتشر هذه الجريمة بصورة مدمرة وظلت تخلف آثاراً اجتماعية واقتصادية وأمنية معقدة، كما يروي “محمد سعيد” للفريق المشترك ل”ذمار اولاين ودارفور24″
يقول “محمد” انه كان في الصف الأول الإعدادي- أولى متوسط- عندما اندلعت الحرب القبلية في قريته- البردون 30 كيلو متر شرقي مدينة ذمار اليمنية- في تسعينيات القرن الماضي، وكان إلى جواره في ذات الفصل الدراسي أكثر من 70 طالباً وطالبة، وعندما وصل الى المرحلة الثانوية كان ضمن ثمانية عشر طالباً فقط أنهوا تلك المرحلة بصعوبة بالغة.
“محمد” عاد بعد حصوله على بكالوريوس الهندسة، ليعمل متطوعاً في مدرسة “الرافدين” التي درس فيها المرحلة الثانوية، وهو يتذكر أيام الدراسة في ظل حربٍ قبليةٍ ضارية، رمت بثقلها على كافة أشكال الحياة، وكانت روح الانتقام وأخذ الحق باليد أو ما يعرف بالثأر تزيدها ضراوةً كلما حاولت ان تخمد.
وقال: توقفت الدراسة لثلاث سنوات بسبب الحرب القبلية في القرية ما اضطرنا الى الالتحاق بالتعليم في القرى المجاورة، وكانت أقرب مدرسة تبعد عن قريتنا نحو 3 كيلومترات في منطقة “رأسه”، هذه المسافة جعلت “محمد” يتسرب مع مجموعة من الطلاب من التعليم بين الفينة والأخرى، بسبب صعوبة التنقل، والموت الذي يترصد طريقهم في كل خطوة نحو فصول الدراسة.
طالب في المترس:
“من المترس الى المدرسة” بهذه العبارة، يسرد الأكاديمي في جامعة ذمار أحمد الفراصي، تفاصيل استمراره في التعليم رغم ضراوة الحرب الدائرة في قريته.
وقال لذمار أونلاين: أذكر أن الحرب القبلية التي اندلعت في قريتنا أواخر التسعينيات قد أدت إلى توقف الدراسة كغيرها من المصالح العامة والخاصة التي توقفت نهائيا، كنتُ حينها في الصف الثاني الثانوي، فقررت أن أذهب إلى الجبل الذي خرج إليه رجال الفريقين للمواجهة، أخذت سلاحي الكلاشنكوف وتسللت ليلاً مع بضعة رجال حتى وصلنا إلى قمة الجبل، ومنه كنت أذهب صباحا أنا ورفيق آخر إلى مدرسة في قرية مجاورة ونحن بكامل عدتنا الحربية، الأمر الذي دفع إدارة المدرسة إلى إعفائنا من الحضور اليومي والاكتفاء بالحضور للاختبارات فقط.
وأضاف هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي خلفتها الحرب أدت إلى تسرب الكثير من الطلاب وانخراطهم إلى سوق العمل خاصة طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية لتلبية متطلبات أسرهم من غذاء وذخيرة وغرامات ناتجة عن الحرب، بينما استطاع عدد محدود من الطلاب الذهاب إلى المدن لمواصلة تعليمهم هناك.
الثأر شرارة الحرب
ومقابل هذه النتائج الكارثية لحروب الثأر العبثية يروي اهالي الضحايا بدارفور غربي السودان اسباباً واهنة تكفي لاشتعال شرارة الحروب القبيلية في مناطق الاقليم.
منتصف سبتمبر من العام شهدت مدينة دارفور اخر حوادث الثأر، في قرية “مركندي” 120″ كيلو متر غربي مدينة نيالا عاصمة الاقليم، إذ قتل 14 شخص من قبيلتي “الشَرَفَة وبني هلبة” بسبب مقتل شاب من “بني هَلْبَة” على أيدي شابين من “الشَرَفَة”.
وبحسب عمر ابراهيم من أسرة القتيل الأول فإن شابين من قبيلة “الشرفة” قتلا “يعقوب مرسال” من قبيلة “بني هلبة” طعناً بالسكين، وعندما علم شقيقه “فرح مرسال” بالحادث امتطى جواده واتجه نحو قريةٍ تقطنها أسر من قبيلة “الشرفة” وقتل شابين قبل ان يتمكن سكان القرية من قتله، وتوالت الاحداث حتى تصل الى مقتل 14 شخص وجرح ثلاثة آخرين من القبيلتين.
وفي 29 ديسمبر 2019، شهدت مدينة “الجنينة” عاصمة غرب دارفور واحدة من أكثر الحروب شراسة بين قبيلة المساليت والقبائل العربية التي تقطن المدينة، شرارة الحرب اندلعت بعد مقتل شاب من القبائل العربية بالقرب من مخيم للنازحين اغلبهم من قبيلة المساليت.
ويقول شقيق والدة القتيل “عبد الله عبد الخير” وهو زعيم قبلي ل”دارفور24″ ان بن اخته وصل مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور قادماً من مدينة نيالا عاصمة جنوب، وأثناء تحركه من محطة السفريات الى منزله اطلق عليه مسلحون النار فأردوه قتيلاً.
وأضاف “عندما بلغ الخبر اسرته أرسلت الأسرة 5 أشخاص لموقع الحادث للتأكد، الا ان المسلحين الذين كانوا يختبئون في سيارة متوقفة في الموقع أطلقوا عليهم النار ما أدى الى مقتل 2 وجرح الثلاثة الآخرين” ونبه عبد الخير الى أن ما دفع القبائل العربية الى الثأر هو عدم تدخل الحكومة للقبض على الجناة والتعامل مع الجريمة بالطريقة المقبولة.
وأضاف “بعد ان تمكنا من اخلاء الجثث والجرحى وجدنا صعوبات من قبل الشرطة في تدوين البلاغ، ولم نجد من يسعف الجرحى في المستشفى، لذلك ارتفع مستوى الغبن عند أهل الضحايا واندلعت المعركة- التي سُميت بكريندينق الأولى- بين القبائل العربية والمساليت”
ولم يختلف مجيب الرحمن ادم يعقوب وهو احد زعماء قبيلة المساليت مع ما ذهب إليه عبد الله عبد الخير، حين قال ان جرائم الثأر ترتكب- في الغالب- نتيجة لقصور دور الحكومة وعدم استجابتها العاجلة في حال وقوع حادث قتل.
وأضاف “معظم أحداث الثأر التي وقعت وتطورت الى قتال قبلي كانت بسبب ضعف التدخل الحكومي لمحاصرة الجريمة باتخاذ الاجراءات القانونية التي تضمن محاسبة الجاني”.
وذكر ان بعد وقوع الجريمة الجنائية يتطور الوضع الى استنفار قبلي لمسلحي القبائل بدوافع الثأر من جميع مناطق دارفور بالاضافة الى مسلحي بعض القبائل التي لها امتداد داخل دولة تشاد.
حصيلة الحرب:
الحروب القبلية التي اشتعل فتيلها بأسباب بسيطة تم نسيانها تماماً في خضم جولات الثأر التي تطورت لتصل الى أعنف حروب قبلية ظل يعاني منها اقليم دارفور غربي السودان حتى الآن، وعاشتها مديرية “الحداء” في اليمن في الفترة من أواخر التسعينيات إلى أواخر الألفية الثانية، حيث سقط فيها أكثر من ثلاثين قتيلاً وأكثر من مئتي مصاب في مديرية “الحداء” وتعرض عدد كبير من المنازل للدمار الكلي والجزئي، ناهيك عن كثير من الأضرار الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي لحقت بأطراف الحرب.
وبحسب تصريحات رسمية رصدتها لدارفور24 عن ضحايا جرائم الثأر وتطورها الى قتال قبلي في دارفور خلال العامين الماضيين فإن قتلى حادثتي “كرينديق” الأولى والثانية فاق عددهم 310 شخص، ومئات الجرحى، وفي يونيو من العام 2020م تجددت المعارك بين الطرفين في قرية “مستري” مخلفة 66 قتيلاً وعشرات الجرحى وفي حي الجبل بمدينة الجنينة بلغ عددهم نحو 150 قتيل، في جولات من القتال لا زالت تتجدد كلما وقعت جريمة قتل بين الفينة والأخرى.
وفي يناير 2021م قتل 59 شخص وجرح العشرات في هجوم شنه مسلحون من قبيلة “الرزيقات” على قبيلة “الفلاتة” بقرية الطُويل 91 كيلو متر جنوبي مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، انتقاماً لمقتل طفل كان يرعى بابقارٍ بالقرب من قرية الطُويل.
وهاجم مسلحون من قبيلة الفلاتة في اغسطس الماضي قرية “حبوبة” 86 كيلو مترات جنوبي مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور ما أدى الى مقتل 9 أشخاص وجرح نحو 14 آخرين على خلفية مقتل إمرأة من قبيلة “الفلاتة” بالقرب من القرية في وقت سابق.
ذمار ودارفور
يشترك اقليم دارفور جنوبي السودان ومحافظة ذمار الواقعة جنوب العاصمة صنعاء على بعد 130 كيلومتر في طابعهما القبلي رغم زحف المدنية عليها، ويبلغ عدد سكان محافظة ذمار “1,603,555” نسمة وقد تضاعف هذا العدد في السنوات الأخيرة بسبب النزوح اليها نتيجة الحرب على اليمن، ويتوزع السكان على اثنتي عشرة مديرية ويبلغ عدد القرى في محافظة ذمار (3262) قرية، تشكل في مجملها النطاق القبلي للمحافظة، بينما يتكون اقليم دارفور من خمس ولايات يقدر عدد سكانها بنحو 8 مليون نسمة، يتوزعون على عواصم الولايات و62 محلية ومئات القرى والبوادي ويغلب على توزيع السكان الطابع القبلي، وبحكم هذا التكوين القبلي العشائري وبالرغم من الاعراف القبيلة الا ان ظاهرة الثأر لا زالت تنتشر في اقليم دارفور ومحافظة ذمار.
ويعزو مدير مركز دراسات السلام بجامعة نيالا بجنوب دارفور دكتور سعد الدين حسن إدريس تفشي ظاهرة الثأر بدارفور في السنوات الأخيرة لعدة اسباب ابرزها غياب الردع القانوني، وتنامي التعصب والحمية القبلية في ظل ضعف طرح الأحزاب السياسية وقدرتها على استقطاب افراد المجتمع، بالاضافة الى تفشي الأمية وسط مجتمع دارفور.
فيما يرى يقول العميد عباس العمدي رئيس مجلس التلاحم القبلي في محافظة ذمار إن للثأر اسباب داخلية وخارجية، وتتمثل الأسباب الداخلية المحلية في التعصب القبلي الذميم في المناطق التي ينتشر فيها الجهل، اضافة الى تأثير العدوان الخارجي على اليمن والذي ساهم في تغذية الخلافات الداخلية والاستفادة من المعدل التراكمي للثارات والحروب القبلية لتشتيت واستنزاف قوى الدولة والمجتمع.
وذكر دكتور سعد الدين ان غياب الردع القانوني يأتي من ضعف امكانيات قوات الشرطة، وعدم قدرتها على ملاحقة مرتكبي جرائم القتل، الأمر الذي يدفع أقرباء القتلى الى أخذ حقهم بأيديهم “الثأر”.
آليات تجاوز الحرب:
قرية “البردون” التابعة لمديرية الحداء 30 كيلومتر شرقي مدينة “ذمار” باليمن تجاوزت هذا الإرث القبلي الثقيل وطوت صفحات الصراع الدامي، بعد أن تساوى عدد القتلى من الجانبين، حيث هبّت وساطة قبلية قادتها بعض الشخصيات الاجتماعية وزعماء العشائر من أبناء المنطقة، أفضت الى إنهاء الحرب، وفتح صفحات جديدة، وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على توقف الحرب في القرية الا ان بعض المنازل في البردون لا تزال تحمل ندوب وآثار الحرب.
ذات النهج يتبعه زعماء القبائل في دارفور غربي السودان لحل النزاعات وخصومات الثأر بين القبائل وبحسب وزارة الحكم المحلي بجنوب دارفور فإن أكثر من 64 مؤتمراً للصلح عُقدت بين القبائل التى وقع بينها قتال في السنوات العشر الأخيرة في جنوب دارفور وحدها، ويقول ناظر قبيلة الهبانية يوسف علي الغالي ان عدد هذه المؤتمرات يعكس حجم النزاعات القبلية التي تقع بدارفور بسبب الثأر وانتشار السلاح ونشاط قطاع الطرق.
لكن الغالي قطع- كذلك- بصعوبة الحصول على احصائيات دقيقة باعداد القتلى في هذه الصراعات لجهة ان القبائل درجت على اخفاء عدد قتلاها حتى لا تظهر في موقف المهزومة، وذكر الغالي انه كان ترأس احد مؤتمرات الصلح بين قبيلتي “الفلاتة والمساليت” بجنوب دارفور في العام 2016م وتمكنوا- حينها- من الاصلاح بين القبيلتين لكن تَجَدَدَ القتال بينهما عدة مرات بسبب دوافع الثأر.
الآثار النفسية والاجتماعية:
لظاهرة الثأر آثار في جوانب مختلفة منها “النفسية والاجتماعية” التي تهدد حياة أفراد المجتمع اليمني والسوداني، حيث أفاد الدكتور لطف محمد حريش” أستاذ علم النفس الجنائي المشارك بجامعة ذمار، ان من هذه الأثار تنامي واتساع رقعة الفتن، وإبعاد أفراد المجتمع من أطفال وشباب عن التعلم والتعليم، وغرس مشاعر الحقد والكراهية والانتقام، بالإضافة الى ” انهيار القيم الاجتماعية وضعف الوازع الديني، وقتل الأبرياء، واستنزاف القوة الاقتصادية للمجتمع، ومنع الآخرين من ممارسة حقوقهم المشروعة”.
“حريش” وهو كذلك نائب عميد مركز الارشاد والرعاية النفسية بجامعة ذمار، يشير إلى ان الحرب القبلية والثأرات تساهم بشكل كبير في ” تزايد ظاهرة الهجرة إما هرباً من القتل أو هرباً من يد العدالة، وعدم التفكير في العواقب الكارثية التي تدمر العلاقات الشخصية والاجتماعية”.
مؤكداً ان الوضع الذي تمر به مناطق تشهد صراعاً مسلحا، تبرز فيها ظاهرة حمل السلاح ما يعمق النزعة التدميرية والتهديد بتفكيك المجتمع، و ينتج عنه ظهور النظرة السلبية والوعي القاصر بأن الشخص الذي يرد على الاعتداء بالمثل سيكون مرهوب الجانب ولديه القدرة على السيطرة، والنجاح في حياته.
وتقول اختصاصي الامراض النفسية والادمان بمستشفى جنوب دارفور التعليمي دكتورة منير حسين أحمد أن عودة جرائم الثأر الى المجتمعات في القرن الحادي والعشرين يعود الى الضغوط النفسية التي تعيشها هذه المجتمعات بسبب الحروب والظروف الاقتصادية التي خلفتها هذه الأزمات والحروب، بالإضافة إلى الانتشار الواسع للمخدرات وتعاطيها، وتردي مستوى التعليم في بيئات الحروب، وتتفق دكتورة “منيرة” مع ما ذهب إليه دكتور “حريش” بأن الردع بالمحاكمات العاجلة والعادلة من أهم الأساليب التي يمكن ان تسهم في وضع حد لظاهرة الثأر، بالاضافة الى رفع الوعي والوزاع الديني لدى المجتمعات.
وعن أبرز المشاكل النفسية التي قد تضرب المجتمعات التي تشهد حرب ثارات قبلية، اوضح حريش ان شعور الأفراد بالقلق والإحباط والشتائم والخوف والنظرة السوداوية للحياة تكون في الغالب على رأس المشاكل النفسية، مؤكداً ان ظاهرة الثأر والحروب القبلية تعيق عملية التنمية في المجتمع وتعكر مناخ الاستثمار، كما تهدد الأمن والسلم الاجتماعي، باعتبارها عاملاً رئيسياً لتفكيك الروابط المجتمعية، وخلق الانقسامات في النسيج الاجتماعي”.
مسؤولية جماعية
فالثأر يعد احد أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الأمن والسلام في المجتمع ويستنزف قدراته البشرية والاقتصادية ويعيق التنمية، الأمر الذي يتطلب رفع وعي المجتمع بأضراره وآثاره، والحد منه عبر تفعيل القضاء والقانون وسرعة البت في القضايا المنظورة في المحاكم لتعزيز ثقة المواطنين بسلطة الدولة ونزاهة القضاء، ومكافحة الجهل للحد من التعصب القبلي حفاظا على تماسك المجتمع ونشر السلم الاجتماعي، وهذا يتطلب تظافر الجهود وقيام الجهات المعنية بدورها بكل مسؤولية واقتدار.
آليات كبح الثأر
وفي اطار التوجهات المجتمعية للحد من قضايا الثأر في دارفور وذمار، يتجه زعماء القبائل وقيادات المجالس المحلية لحل الخلافات وابرزها قضايا الثأر وقد خلصت الوساطات الى حل أكثر من 400 قضية ثأر في محافظة ذمار حتى اغسطس 2021م، بينما وقعت القبائل في دارفور نحو 100 مؤتمر صلح خلال السنوات العشر الاخيرة لايقاف القتال الذي يندلع بينها وفي الغالب بسبب الثأر، وتتركز قضايا الثأر في ذمار في مديرية “الحدا، ومغرب عنس، ومناطق آنس، وعتمة” وهي اما ثارات فردية او جماعية.
وللحد من الثأرات والحروب بين القبائل في محافظة ذمار وقع مجلس التلاحم القبلي على وثيقة الشرف القبلية التي تتضمن الصلح العام بين القبائل لضمان استقامة المجتمع القبلي ودفعه باتجاه التعايش السلمي، وبحسب رئيس المجلس العميد عباس العمدي فان الوثيقة تعد قاعدة رصينة يقوم عليها الصلح الاجتماعي لأنها تخلق رأياً عاماً ينمي الأجواء الايجابية، وينتزع الأجواء السلبية على أسس ترسخ المبادئ والثوابت الوطنية والقبلية ويتم من خلالها معالجة القضايا قانونياً وعرفياً.
مضيفاً: عبر المصالحة القبلية تم حل صراعات وحروب، طالت عقود من الزمن منها “قرضان وبني عمر” التي حصدت أكثر من 76 قتيل و309 جريح ، وقضية “المشاخرة ومريد” التي أدت الى سقوط 26 قتيل و117 جريح.
ثقافة اسلامية
يقول القاضي محمد داديه عضو جمعية العلماء اليمنين :” موقف الدين الاسلامي واضح في قضايا التعصب والتفاخر بالأعراق والأنساب ونهى عنها قولاً وعملاً حيث قال (ص) “ليس منا من مات على عصبية” واكد القاضي داديه على أهمية تمثل تعاليم الشريعة الاسلامية وقيمها وجعل ذلك ثقافة سائدة في المجتمع ونشر التعليم ورفع مستوى الوعي وتفعيل مؤسسات الدولة ليعيش المجتمع بسلام.
ويرى سعد الدين أن القضاء على ظاهرة الثأر يحتاج الى تمكين مؤسسة الشرطة بالقوات والآليات التي تمكنها من بسط هيبتها وحسم الخارجين عن القانون، بالاضافة الى تأهيل وتطوير الادارة الأهلية- زعماء القبائل- لتواكب تطور الجريمة وتصورات الشباب للواقع الإجتماعي.
فيما يرى القاضي اليمني “أحمد عبدالله المهدي” ان وجود الضبط لأجهزة الدولة يساهم في تلاشى هذه الظاهرة, وقال: بوجود الدولة تتلاشى هذه الظاهرة وينطبق ذلك على جميع الشعوب والمجتمعات بما فيها المجتمع اليمني” مؤكداً ان “ضعف السلطات المركزية ينتج عنه اتساع ظاهرة الثأر والحرب والقبلية”.
وقال ان إلتجاء المجني عليه الى القضاء اليمني يحد من ظاهرة الثأر، وإذا وقعت جريمة ثأر والقضية معروضة على القضاء- وذلك نادر جداً- فسببه عدم الوعي القانوني واهتزاز الثقة بالقضاء وأحيانا الخشية من بطء تحقيق العدالة مدفوع بملامة الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه والذي غالباً ما يكون جاهلاً، واكد ان جزءً من أسباب تنامي هذه الظاهرة هو “عدم ثقة الفرد بالدولة كسلطة ضبط، وضعف الوازع الديني، والسعي لإشباع غريزة الانتقام”.
ويحمل التعليم اثراً إيجابياً في تثبيط أي توجهات للحرب أو للثأر، باعتبار العلم “وسيلة للانفتاح على الآخر والقبول به”، فبعد سنوات من الصراع في قرية البردون أصبح الطلبة في المرحلة الجامعية الآن من الجانبين يسكنون في سكن دراسي واحد، وهذا أدى إلى تقارب نفسي كبير سواء على مستوى الطلبة أو على مستوى الأهالي” وهو ما يؤكده الفراصي والبردوني معاً، وفي اقليم دارفور درجت القبائل تقع بينها نزاعات على تنظيم زيارات متبادلة عقب اجراء المصالحة بينهما لازالة الآثار التي تخلفها الحرب.
لا يتذكر الحرب بعض الصبية في “البردون” الذين التقى بهم “ذمار أونلاين ودارفور24″، وهم سعداء ان تلك الحرب باتت ذكريات مؤلمة للبعض، وقال صبي يدعى أمجد” خالي قتل في الحرب وتضرر منزلنا، لكن الحمد لله لقد انتهت”. يشير أنه يدرس في مدرسة الرافدين مع طلاب آخرين من نفس القرية من أسر وعوائل كان لها عداء سابق مع عائلته. وقال: نحن جيل جديد لا دخل لنا بالماضي، متفائلا بأن يفتح التعليم لهم مستقبل جديد.
لكن ناظر الهبانية يوسف الغالي يقول ان عادة الزيارات المتبادلة بين القبائل ما بعد المصالحة ناجعة لازال الغبن ودوافع الثأر، لكنها باتت تحفها الكثير من المخاطر بسبب السيولة الأمنية وانتشار السلاح بدارفور، حيث يستغل العصابات المسلحة وتجار السلاح هذه الزيارة لاستهداف الوفد القبلي الزائر بغرض اعادة الحرب بين القبيلتين.
ونظراً لأهمية قضية التأر وتأثيرها السلبي على المجتمعات فقد تم إنجاز هذا التقرير المشترك بين منصة ذمار اونلاين في اليمن ومنصة دارفور24 في السودان، لتسليط الضوء على هذه الظاهرة وابعادها الإنسانية والاجتماعية في المحافظتين وتأثيرها على التنمية بكل صورها واشكالها.