الصحفي عبد المنعم مادبو
كان يوم الثلاثاء 22 يونيو من أصعب أيام عملي الصحفي، عندما تعرضت لعملية اعتقال من قبل قوات حركة تجمع قوى تحرير السودان الموقعة علي اتفاق سلام جوبا و يقودها عضو مجلس السيادة الطاهر ابوبكر حجر.
منذ السبت الماضي طلبت مني مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية الاستاذة منة زكي اعداد قصة خبرية عن عمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها المقرات التي خرجت منها قوات يوناميد بعد انهاء تفويضها بدارفور.
قطعت شوطاً في جمع المعلومات وتحريرها وتبقت لي الصور الفوتغرافية لآثار النهب والتخريب الذي وقع على هذه المقرات، فقررت صباح أمس الثلاثاء الذهاب للمقر الرئيسي ليوناميد قطاع جنوب دارفور، فتفاجأت بوجود قوات في البوابة، قابلت قائدهم وعرفته بهويتي والغرض الذي جئت لأجله، وكان رده أنه لا يستطيع السماح لي أو الرفض، وطلب مني مقابلة قيادتهم في الداخل، فصحبني أحد الجنود الى الداخل، وهناك وجدت ضابطاً يستجوب أحد المدنيين، فسلمت عليه وعرفته بهويتي والغرض من مجيئي الى الموقع، بدوره طلب مني انتظار أحدهم، وقال لي انتظر عندنا زول يجي بعد ذلك نشوف البحصل شنو”
وقفت قليلاً ثم حملت كرسياً كان بالقرب منه لأجلس عليه، فرفض ووجهني بالجلوس في كرسي كان موجوداً داخل قفص صغير بالقرب منهم، قلت له “انا ما بجلس في حتة زي دي” فقام بوضع “الكلباش” على يدي ودفعني الى داخل القفص، وطلب مني تسليمه كل ما بحوزتي “البطاقات وأدوات العمل”
بعد نحو نصف ساعة جاء ضابط يدعى “آدم ابودقن” وهو على ما يبدو قائد الشرطة العسكرية بالحركة، كان قاسياً جدا، طلبت منه هاتفه لاجراء مكالمة، فوجدت أقرب رقم هاتف في المكالمات الصادرة رقم الزميل أبوذر مسعود، فأخبرت أبوذر بأنني معتقل لدى قوات حركة تجمع قوى تحرير السودان في ضاحية سقرا، بعد ذلك طُلب منا انا والشخص المدني الذي كان مقيداً بالسلاسل ان نجلس في الشمس بعيداً عنهم وبعيدين عن بعضنا.
أثناء جلوسنا في الشمس عرفني الشخص بنفسه واسمه “محمد عيد” وحكى لي بصوت هامس حتى لا يسمعونا، بأنه تم اعتقاله منذ يوم السبت الماضي من داخل ساحة السحيني بنيالا اثناء مخاطبة قائد الحركة “الطاهر حجر” لقاءً جماهيرياً فيها، وقال لي أنه لليوم الرابع لا تعلم أسرته بما جرى له ولا مكانه، وأخبرني أن أسرته في مدينة كاس 85 كيلو متر غربي مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور وطلب مني المعلومة لأسرته.
قطع حديثنا الهامس أحضار أحد الجنود وتم ربطه مع “محمد عيد” بجنزير واحد بسبب دخوله في مشادة كلامية مع الضابط “آدم ابودقن” ظللنا في الشمس الى أن احتج الجندي، وطلب منهم تحويلنا الى الظل، وفي الظل أجلسونا في حصى كان داخل “الجملون” ولم يفكوا منا “القيد والكلباش” الا لصلاتي الظهر والعصر.
منتصف النهار مر أحد الرعاة بالقرب منهم، وهو يمتطي جملاً، فنادوه وفتشوا ما يحمل في ظهر جمله وسألوه عن اسباب عبوره بالمنطقة، فقال لهم أنه يبحث عن بهائمه، فانهالوا عليه ضرباً بالسياط بصورة مهينة.
وعقب صلاة العصر اقتادنا الضابط “آدم ابودقن” الى خور يبعد بضع أمتار في الناحية الشرقية، وهو يحمل سوط “عنج” وهناك انهال علي ضرباً الى أن أصابني بجروح في الظهر وفي يدي اليمنى.
أعادنا مرة أخرى وقبيل صلاة المغرب التي سبقها هطول امطار، احالونا الى داخل مباني التي استغلوها كسكنات لقواتهم، وهناك طلبت من الضابط آدم ابودقن أن يسمح لي بالاتصال على أسرتي لأطمئنهم على حال واخبرهم بمكان وجودي فرفض، وعند الساعة التاسعة والنصف جاء أحد القادة المتواجدين برفقة القائد الطاهر حجر ونقلني الى قصر الضيافة وبعد محاولات عدة من الزميل أبوذر مسعود مسئول اعلام مكتب الوالي قابلت قائداً يدعى “أبورأس” اعتذر لي عن ما جرى وطلب مني كتابة أقرار بأنني ذهبت الى هناك من تلقاء نفسي ولم تقتادن قواتهم، فكتبت “انا الصحفي عبد المنعم مادبو أقر بأنني ذهب الى مقر بعثة يوناميد بضاحية سقرا، ولم اعلم بوجود قوات حركة تجمع قوى تحرير السودان في الموقع، فتم احتجازي لساعات والتحري معي والافراج عني”