الخرطوم- دارفور24
وضع المشاركون في المؤتمر الاقتصادي الأول في السودان بعد ثورة ديسمبر، روشتة أمام الحكومة الانتقالية، لصرفها عاجلاً لإنها معاناة الشعب، مراهنين على الشعبية التي لا يزال يمتلكها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، محلياً وعالمياً والتي تجعله قادراً على تدارك الأوضاع قبل انفجارها.
وسادت حالة إجماع بأن دواء الداء لايزال وطنياً وممكناً، وسيجنّب السودان أي مساومات أجنبية من شأنها خلق انقسام ومحاور تجعله يدور دور في دائرة مغلقة.
وطغى على حديث المتداخلين عدم رضا، إلا أنهم دفعوا بروشتة اقتصاديةمطالبين بتضمينها في توصيات المؤتمر الذي بدأ السبت بقاعة الصداقة في الخرطوم ويختتم غداً “الإثنين”.
وواجه السودان أزمات اقتصادية وعقوبات دولية، أسفرت عن احتجاجات أطاحت بالرئيس المخلوع عمر البشير، عن سُدّة خلال أبريل 2019، لتبدأ فترة انتقالية بتاريخ ٢١ أغسطس من العام الماضي، وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات أواخر 2022، ويتقاسم خلالها السلطة الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالبشير.
ويناقش المؤتمر، على مدى 10 جلسات، أوراق عمل وتوصيات مقدمة من 18 ورشة قطاعية تحضيرية سبقت انعقاد المؤتمر، بمشاركة المؤسسات والقوى والجماعات والمنظمات ذات الصلة بالاقتصاد السوداني، وعلى رأسها الحكومة الانتقالية بمختلف وزاراتها الاقتصادية، وقوى الحرية والتغيير «الحاضنة السياسية للحكومة»، ومنظمات أصحاب العمل، ورجال الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني، وباحثون مستقلون.
وتمثّلت أبرز توصيات المؤتمر الذي حمل شعار «نحو الإصلاح الشامل والتنمية الاقتصادية المستدامة»، ضرورة إخراج المصانع والمؤسسات الكبيرة من المركز إلى الولايات لتكون في موقع الإنتاج والمنتجين، ورفع الدعم، وإيقاف إستيراد القمح بالعملات الأجنبية،
وذهب البعض إلى وصف الشركات الحكومية بأنها “كارثة” تعمل على تدمير الاقتصاد، طارحين سؤالاً مفاده: “لمصلحة من تخسر تلك الشركات.. ومن أين يجلب البعض الدولار لشراء البضائع من الخارج.
وشدد المؤتمرون ومن بينهم رئيس المجلس الاستشاري لشعبة مصدر الذهب عبدالمنعم الصديف، على أهمية إعادة شركات إنتاج الذهب إلى الشعب، وإلغاء الاتفاقيات، وأن تضع الحكومة يدها على الصادرات الوطنية، مع تغيير العملة بفئات صغيرة منعاً للتزوير، إلا أن رئيس الوزراء، أكد أن تغيير الجنيه السوداني أمر فني.
* مُكاشفة حمدوك
لم يتوارى حمدوك، في الإقرار بفشل حكومة ثورة ديسمبر، في جلب مدخرات المغتربين للبنك المركزي كنموذج، قبل أن يعود ويطالب بإيقاف بيع الحيوانات الحيّة.
حمدوك، الذي أكد أن نسبة الـ ٦٪ التي تجمع من الضرائب لا يمكن أن تدير البلاد، قال إن الاقتصاد الموازي يعادل ٣ أضعاف الاقتصاد الرسمي، وأن البلاد تعيش حالياً اقتصاد صراع ولم تبلغ بعد اقتصاد تنمية.
والصراع عند حمدوك، موجود أيضاً بين الحكومة وحاضنتها السياسية “قوى الحرية والتغيير”، وأنه يتوجب معالجته، والتوافق على رؤية سودانية يتم السير عليها، وهو ما جعله يوصد الباب أمام البعض بأنه لا مجال لحزب لفرض رؤيته، باعتبار أن مشكلة السودان لا يمكن أن يعالجها مكوّن واحد، ناصحاً حاضنة حكومته بالتوافق وتعظيم قضايا الوطن لتجنّب فشل المرحلة الانتقالية كلياً.
ورئيس الوزراء الذي أكد أن توفير الخدمات بالولايات أمر أساسي، دافع عن وزرائه، وذهب مُبالغاً في مدحهم حين قال إنهم يعملون “٢٥” ساعة، ويقفون في “الصفوف”، ويعيشون معاناة المواطن، ليرد بذلك على المستشار الاقتصادي في واشنطن أحمد صديق عثمان، حين ناشد رئيس الوزراء قائلاً: “أرجوك أطلب من وزرائك والمسؤولين في حكومتك أن يقفوا في صف الخبز والبنزين والغاز.. حتى إذا شاهدهم المواطن يصبر ويُضحى”.
وأضاف: «أنصحك بألا تُضيّع الشعبية الجارفة التي حُظيت وتحظى بها، والتي شاهدتها عند زيارتك إلى واشنطن، فجميع مسؤولي دول العالم الثالث لم يجدوا ترحيباً وحضوراً كثيفاً للترحيب بهم مثل الذي وجدته».
* إنفصال جديد
عاد حمدوك، راسماً حالة خوف، حين توقع انفصالاً جديداً بعد الجنوب، وهو يقول: “قضايا شرق السودان تحتاج معالجة خاصة، وهو أي الشرق يمتلك إمكانيات أن يصبح دولة، وهو ما يتطّلب اهتماماً بالموانئ وإنسان الشرق ليشعر بأنه جزء عزيز من الوطن”.
وأكد رئيس الوزراء في ورقته التي حملت عنوان «الإطار العام للدولة التنموية الديمقراطية ومكونات برنامج الحكومة الانتقالية وأولوياتها»، الحاجة الماسة إلى نقاش مجتمعي عميق في ظل خلافات حالية حول ملف السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية، والتي قال إنها تستوجب حد أدنى من الاتفاق.
ويؤكد حمدوك، أن تصحيح إختلالات الموازنة العامة ودفع عجلة النمو، وترشيد الإنفاق الحكومي، ومعالجة الديون، وخفض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف، وبناء الثقة في النظام المصرفي واستقرار الأسعار، من أولويات الحكومة الانتقالية تنموياً.
ويؤكد أيضا أن الاهتمام بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لزيادة الناتج المحلي والدخل القومي، والاعتماد على الصناعات التحويلية بتعزيز جهود الحكومة لخلق بيئة محفزة للقطاع الخاص لقيادة زمام المبادرة في تطوير قطاع الصناعة بجانب تنمية المهارات والقدرات ورأس المال البشري لرفع كفاءة الانتاج، يأتي ضمن أولويات الحكومة.
وقال حمدوك، وهو نائب رئيس اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية والتي أُنشئت خلال أبريل الماضي، إن النظام البائد “حكومة الإنقاذ” فاقمت الأزمة الاقتصادية بسوء إدارة فترة الطفرة النفطية مما انعكس على كفاءة الإنتاج الزراعي والصناعي.
وحدّد أهم التحديات التى تواجه الاقتصاد السوداني فى تدهور الأوضاع المالية وتراجع مؤشرات القطاع الخارجي، ومعدلات التضخم، وتحديات الدين الخارجي، مع ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مؤشرات التنمية البشرية، وتحديات الفدرالية المالية والتفاوت بين الأقاليم وأوضاع النازحين، والحوكمة وضعف المؤسسات.
* روشتة العلاج
ورأى آدم حريكة المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، أن أهم مخرجات اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية، هو إنشاء بورصة للذهب وإلغاء الـ 10% التي تخصم من حصيلة الصادر لتغطية احتياجات الدواء.
وأما والي شرق دارفور الدكتور محمد عيسي عليو، فقد دعا صراحةً إلى تفريغ العاصمة الخرطوم، بإخراج المصانع والمؤسسات الكبيرة إلى الريف، مؤكداً أن الإنسان السوداني لا يزال منتجاً.
وعرّج عليو، على ولايته بنظرة من شأنها خدمة الاقتصاد الوطني عامةً وشرق دارفور خاصة، حين أكد أنها من أغنى الولايات ورغم ذلك مقطوعة ولا تمتلك طريق ظلط، وهو ما جعله ينصح الحكومة المركزية بأهمية الطريق القاري “النهود الضعين إلى نيالا” والذي من مزاياه إرجاع المواطن إلى منطقته.
وتنوّعت رسائل المناصحة والمكاشفة إلى رئيس الوزراء، من الحضور، خاصةً الولايات، حين قال عاطف سقادي عضو قوى الحرية والتغيير بكسلا، إن مساحة ٧٠ ألف فدان قمح بمشروع حلفا مهددة بالفشل، بسبب غياب التمويل وانعدام المدخلات وغياب التحضير للموسم الزراعي.
ودعت ورقة «الانتقال إلى آفاق الانتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل»، إلى ضرورة إنشاء نظام إليكتروني يرصد حركة التجارة الخارجية وتطبيق ولاية وزارة الصناعة والتجارة على التجارة الداخلية والخارجية، مع أهمية إصدار سياسات حماية المنتج المحلي والصناعات الصغيرة وإعفاء مدخلات الإنتاج من الرسوم الجمركية وتحفيز الإنتاج من أجل الصادر.
وفي محور قطاع الطاقة والتعدين، جاء التأكيد على أهمية تمويل الخطة الاسعافية لمشروعات قطاع الكهرباء خلال العام 2021، وإنشاء صندوق لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة وتنفيذ مشروعات محطات نقل الكهرباء في كردفان و دارفور، كما شددت على مراجعة وتقييم تعريفة الكهرباء واستقلالية الجهاز الفني لتنظيم ورقابة الكهرباء.
وأكدت التوصيات على دعم توطين صناعة معدات قطاع الكهرباء والعمل على فحص كفاءة المعدات الكهربائية الواردة للبلاد، وأما في محور النفط والغاز، فقد دعت التوصيات إلى ضرورة مراجعة قانون الثروة النفطية للعام 1998 والعمل على معالجة مشكلة الديون الناتجة عن شراء خام الشركاء و مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة لوجود المستثمر بجانب التوسع في إنتاج واستخدام الوقود الحيوي المتمثل في الايثانول والجاتروفا
وأكد المؤتمرون، ضرورة تشييد مراكز توزيع رئيسية ومستودعات على طول مسار السكك الحديدية في ولايات كردفان و دارفور وتفعيل دورها في إمداد هذه المراكز بالمنتجات النفطية. كما دعت التوصيات إلى تبني إعداد خطة إستراتيجية شاملة تستوعب العلاقات التشابكية بين قطاع النفط و القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وأوصت جلسة «الانتقال إلى آفاق الإنتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل»، بتوجيه الاستثمار نحو القطاع الزراعي ومنح المستثمرين أراضٍ خالية من النزاعات والسعي لازالة اسم السودان من قائمة الإرهاب لتحسين بيئة الاستثمار، مع الإسراع باجازة قانون الاستثمار وتوحيد التشريعات حول المناطق الحرة.
وبشأن قطاع الزراعة والغابات فقد تمّت التوصية بربط التمويل باستخدام التقانات الحديثة ومراجعة التشريعات والقوانين والقرارات الجمهورية، وتفعيل عمل التعاونيات الزراعية وتطوير استراتيجية الإرشاد الزراعي، مع عودة محطات البحوث الزراعية.
وأما في مجال الثروة الحيوانية فقد تمّت التوصية بتأهيل مركز بحوث الثروة الحيوانية والتلقيح الصناعي والحفاظ على السلالات المحلية الواعدة.
وحول ملف البنى التحتية والنقل، فقد طالبت الورش برفع كفاءة السكة حديد واجازة قانون سلطة الملاحة النهرية، وقانون تنظيم النقل البري.
ومن أبرز توصيات قطاع الري التى تناولتها الجلسة ضرورة اكمال محطات مياه الشرب وإنشاء مشاريع ري جديدة وتحديث السياسات و الاستراتيجيات و استخدام المياه الجوفية في الزراعة.
ويُنتظر أن يخرج المؤتمر بتوصيات تُعالج قضايا الاقتصاد، وتؤهل السودان للعب دوره الطليعى فى محيطه، وسط مخاوف من أن يكون نصيب المخرجات من التنفيذ دخولها الأدراج، أُسوةً بمؤتمرات سابقة إبان عهد نظام حكومة المؤتمر الوطني «المحلولة» بزعامة المخلوع عمر البشير.