تزايدت شكوى المواطنين والعاملين بالحقل الطبي السوداني، من تفاقم أزمة الدواء بالبلاد، لدرجة أن البعض أكّد إنعدام حتى «البندول»، وظهرت على وجوه كثيِرين حالة استسلام في العثور على علاج، بدليل أن جُلّهم «أقسم بالله» أن تردد على أكثر من «40» صيدلية وسط العاصمة الخرطوم وأطرافها والمحصلة «صِفر دواء»، فيما طلب مرضى آخرون من صيادلة أن يرشِدوهم إلى أي جهة توفّر لهُم العلاج حتى ولو من «السوق السوداء»، وهو ما جعل «دارفور 24» تستنطق صيادلة ومرضى، وتُشاهد عشرات المواطنين يترددون على صيدليات شهيرة دون جدوى.
ويؤكد صيدلي يعمل في صيدلية رهف الكبرى التي تقع عند شارع الدكاترة شمال مستشفى الخرطوم والشعب، إنعدام المحاليل الوريدية، والمضادات الحيوية الفموية من حبوب وشرابات، وأدوية الأزمة المُنقذة للحياة، وبعض أدوية الجهاز العصبي المركزي، والتي أكّد أهميتها وأنه يجب توفرها في أي بلد لكونها أدوية أساسية.
ويرى صيدلي رهف، الذي تحدث لـ«دارفور 24»، وـ فضّل حجب إسمه ـ، أن أزمة شُح الدواء مُنذ عهد النظام البائد بزعامة المخلوع عمر البشير، بسبب مشكلة تسعيرة الدولار، ناصحاً بنك السودان المركزي بتوفير دولار بقيمة مُحددة لشركات الأدوية لاستيراد الدواء، وشركات التصنيع المحلي لاستيراد المواد الخام، وأن يقوم المجلس القومي للأدوية والسموم، بِتسعير الأدوية بحسب تسعيرة «البنك».
ونبّه إلى أن معظم شركات استيراد الأدوية متوقفة، وشركات التصنيع المحلية عاجزة عن تغطية احتياجات الدواء، وأن نسبة عجز الدواء في البلاد 50%، ومضى قائلاً: «مافي دي هتسمعها كثيراً.. وحالياً وبحضورك حضر أكثر من 10 مواطنين ولم يجدوا العلاج».
وتوقع صيدلي رهف، إنفراجاً في الدواء بسبب جهود تقودها حالياً الشركات الوطنية لإنتاج الدواء لتغطية العجز.
السير للأسوأ
وظهر الدكتور مجدي حسن الشيخ الذي يعمل في صيدلية البلسم الطبية، الواقعة على شارع القصر الجمهوري بالخرطوم، مُنفعلاً وغاضباً وهو يُشاهد تردد «الروشتات» عليه ورده «ماعندنا».
وأكّد لـ«دارفور 24»، ان هناك إنعداماً للأدوية التي عليها طلب كبير من ضغط وسكري، قائلاً: «تجد المريض داخل العناية المُكثّفة ودواء مُنقذة للحياة مافي.. أكتر من كدة شنو تاني؟.
وقال إن أزمة الدواء متفاقمة إلا أنها زادت هذه الأيام بسبب الدولار، في وقت ترى فيه الشركات أن الحل إمام بتحرير الدواء وإعطائهم سعر دولار دواء ومن ثُمّ تُسعّر الحكومة، أو تتركهم يشترون من السوق ويضعون تسعيرتهم بِطريقتهم، مؤكداً أن وضع الدواء يمضي للأسوأ، وأن «90%» من أصحاب «الروشتات» يرجعون بلا دواء.
أنجع وصفة
ويؤكد الدكتور أحمد محمد يوسف، والذي يعمل لدى صيدلية القصر بالخرطوم، أن هناك نُدرة عامة في الأدوية، مُدللاً على ذلك بأن غالبية المضادات الحيوية معدومة، وأدوية الضغط والغُدّة، وأن هناك أزمة حقيقية في ظلّ عجز الحكومة عن تحرير الدواء أو توفيره، ومضى قائلاً: «حالياً أحد المرضى سأل عن (بندول) ولكن للأسف معدوم، الأزمة تتزايد، وسببها وزير الصحة السابق د. أكرم التوم، حين أوقف التسعيرة رغم اتفاق المجلس القومي للأدوية والسموم (الجهة التي تُسعّر) مع الشركات عليها.. على الحكومة اتخاذ إجراء جرئ بتحرير الدواء لضمان وجوده طالما أنها عاجزة عن دفع سعر مُخفّض في الدواء، مع تفعيل التأمين الصحي، وديوان الزكاة، لمساعدة الفقراء.
ورد أحمد، على سؤال «دارفور 24» حول الذين يترددون على الصيدلية ولا يجدون الدواء، قائلاً: «والله لو بنبيع مافي دي، كان غنينا».
واستبعد أحمد، والذي جلسنا معه نِصف ساعة دون أن يبيع علاجاً واحداً بسبب إنقطاع الدواء، استبعد حدوث انفراج لأزمة الدواء، قائلاً: «من أين يأتي إنفراج؟.. الغريبة أن الحكومة تتفرّج فقط، لا نعلم ما الذي يريدون أن يصلوا إليه!.. وأرجو أن تتحدث عن ذلك لو يفيد، فالموضوع كبير جداً، ولا معنى لهذه (السكتة)، في وقت ظهرت فيه أدوية مُهرّبة بعضها مُنتهي الصلاحية».
سياسة الأخصائي
وشكا أحمد، من عدم تحديد التسعيرة مُنذ عهد حزب المؤتمر الوطني «المحلول»، ونبّه في الوقت ذاته إلى أن بعض الاخصائيين لجأوا إلى كتابة 3 علاجات متسلسلة لمرض واحد وأحياناً كتابة دواء رابع جودته محل شك، في حال كانت الثلاثة الأوائل معدومة.
وأجاب أحمد، منفعلاً حين سأله «دارفور 24»،: «ألا توجد هذه الأدوية في الامدادات؟»، قائلاً: «الإمدادات تكفي منو وتعمل شنو؟ فهي تمتلك حوالى 4 صيدليات، وفي الخرطوم 2400 صيدلية، فهل يُعقل أن تحل 4 صيدليات محل كل هذه الصيدليات إذا افترضنا أن الدواء متوفر فيها!، وحتى إذا كان موجوداً فإنك تقطع تذكرة، وتجلس وأمامك 200 شخص، وعندما يأتي دورك يُقال لك هذا الدواء غير موجود.. دعك من العاصمة، هل الولايات بها إمدادات طبية.. هذا لا يُعقل، ففي السابق كانت هناك صيدليات شعبية بها دواء الإمدادات، إلا أنها أصبحت تزيد سعر الدواء فتمّ إيقافها، وأصبحت الحكاية (فاكة ساي)؟».
وقال مواطن التقاه «دارفور 24» وهو خارج من صيدلية إنه ظل ليومين يبحث عن الدواء في سوبا وأم ضوّاً بان، وظهر مواطن مُحبطاً وهو يسأل الصيدلي: «هل سأجد هذا الدواء في الصيدليات الطرفية؟»، ليُجيبه الصيدلاني أحمد، لا أُريد أن أُحبطك ولكن يُمكن أن تجده.
الإمدادات الطبية
وكتب الصحفي Alhameem Joda، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قائلاً: «أنفقت منتصف نهار أمس «الثلاثاء»، في البحث عن قطرة، كل صيدليات امبدة + شارع الردمية والعرضة + شارع الدكاترة والشهداء حتى الإمدادات ما فيها، المهم أكتشفت صيدليات كثيرة مغلقة، ويبدو أنها مغلقة من فترة قريبة + محلات كثيرة مغلقة، وحتى الصيدليات الفاتحة خاوية الأرفف، وأغلب من يدخلونها يخرجون مسرعين والحسرة بادية على وجوههم، وقفنا صف طويل في صيدلية الإمدادات، يدخلون عشرة مع بعض يخرج ما بين 8 إلى 9 دون حاجتهم من الدواء المطلوب، كان بالروشتة 4 أنواع، في كل صيدلية وجدت نوع واحد، والذي تعبت من أجله، بعد لطف من الله وجدت بديلة في صيدلية لا أحد إن مر بها يظن إنها صيدلية، بل هي أشبه بـ(كنتين)».