تتسارع جهود الوساطة الجنوبية في مفاوضات سلام السودان، لحسم ملف الترتيبات الأمنية بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، وصولا لتوقيع الاتفاق النهائي بين الطرفين، بعدما تم تجاوز جميع الملفات التي طرحت في طاولة التفاوض خلال الفترة الماضية ولم يبق غير ملف هيكلة جيوش الحركات المسلحة ضمن مشروع عملية بناء جيش سوداني قومي مهني.
وتستأنف اليوم الخميس في جوبا المفاوضات المباشرة حول الترتيبات الأمنية بين الحكومة ومسار دارفور، حيث سلمت الوساطة مساء الأربعاء كل الأطراف الدعوات لبدء المحادثات.
وكانت الوساطة تخطط لجعل الحكومة والجبهة الثورية يوقعان بالأحرف الأولى على اتفاقية السلام، بيد أن رفض الثورية التوقيع قبل حسم ملف الترتيبات الأمنية أجل المناسبة التي كان مقررا لها يوم الثلاثاء الماضي بالخرطوم، حيث كان وفدا من الحركات المسلحة قدم للخرطوم برفقة أعضاء الوساطة لإجراء مشاورات مباشرة مع الحكومة والقوى السياسية بعد أن عطلت “كورونا” المفاوضات المباشرة في جوبا.
يقول عضو وفد التفاوض عن حركة تحرير السودان، نور الدائم طه، لـ (دارفور 24) إن الحركة لا يمكن أن توقع على اي اتفاق دون الوصول إلى الاتفاق حول الترتيبات الأمنية لانها قضية جوهرية تمثل روح عملية السلام، حسب قوله.
وأوضح أن الحركة لم تبدأ بعد في الترتيبات الأمنية ولكن لديها إرادة حقيقية في الوصول إلى اتفاق يفضي إلى تكوين جيش وطني مهني قومي يمثل كل السودان والسودانيين.
ومضت على المفاوضات بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية أكثر من إحدى عشرة شهراً ومع ذلك لم يتقدم الطرفان في ملف الترتيبات الأمنية، على الرغم من وضعه أكثر من مرة ضمن أجندة التفاوض، ما يجعل الاحتمالات مفتوحة حول بروز الملف كعقبة كؤود أمام التوصل لاتفاق حول السلام.
لكن نور الدائم طه لا يرى وجود مشكلة بين الحكومة والثورية حول الترتيبات الأمنية، ويقول إن السبب الرئيسي في تأخر حسم الملف هو جائحة الكورونا التي ضربت العالم الفترة الماضية وأجبرت الوساطة على تعليق المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
وأضاف “الوساطة قدمت مقترح للتواصل في التفاوض عبر الفيديو كونفرنس ونحن رأينا ان قضية الترتيبات الأمنية قضية حساسة وتحتاج إلى تفاوض مباشر لذلك الأطراف واصلت في الملفات الاخرى وشهدت تقدم كبير وتم الاتفاق حولها، تبقى فقط الترتيبات الأمنية وسنبدأ فيها خلال الأيام القادمة”.
حماية النازحين
وتطرح الحركات التي تمثل مسار دارفور في الجبهة الثورية، موضوع تمثيل جيش الحركات ضمن القوة الأمنية المنوط بها تحقيق الأمن في دارفور وحسم التفلتات التي تقع بواسطة المليشيات المسلحة، وهو طلب على ما يبدو سيجعل جيش الحركات مواز لقوات الدعم السريع التي ينحدر غالب عناصرها من القبائل العربية التي حاربت في عهد البشر ضد الحركات المسلحة المنحدر غالب جيشها من القبائل غير العربية.
يقوله طه “ما يحدث الآن من اعتداءات على النازحين يعزز الحاجة الملحة إلى تكوين قوات مشتركة من الجيش وقوات الحركات والدعم السريع لتأمين معسكرات النازحين وعمليات الإغاثة وإعادة الثقة بين الأجهزة والمواطنين الأبرياء ضحايا الابادة الجماعية والتطهير العرقي”.
وكان رئيس حركة العدل والمساواة، د. جبريل إبراهيم، دعا خلال تغريدة على صفحته بتويتر للاسراع في التوصل لاتفاق حول ترتيبات أمنية يتضمن انشاء قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع ومقاتلي الحركات المسلحة لحفظ الأمن في دارفور وكردفان.
وقال إن الإنفلات الأمني شبه الكامل في اقليمى دارفور وكردفان وقتل المعتصمين والمدنيبن يستدعي الوصول العاجل لإتفاق ترتيبات أمنية يتضمن إنشاء قوة مشتركة من القوات المسلحة والدعم السريع وقوات الحركات المسلحة لحفظ الأمن وتأمين عودة اللاجئين والنازحين مطمئنين الى ديارهم.
وينتظر أن يتم النقاش حول هذه المواضيع خلال هذه الجولة للمفاوضات التي يتوقع أن تبدأ خلال اليومين القادمين، حيث غادرت لجنة الترتيبات الأمنية الحكومية الأربعاء إلى جوبا برفقة عضو فريق الوساطة الجنوبية الدكتور ضيو مطوك، لاستكمال ما تبقى من بنود في ملف الترتيبات الأمنية. وكان مطوك، بحث خلال زيارته للخرطوم التي استغرقت عدة أيام، عدداً من القضايا التي تتصل بمحادثات السلام السودانية التي ترعاها دولة جنوب السودان.
ويؤكد القيادي بتجمع تحالف قوى تحرير السودان، نور الدين شمو، لـ (دارفور 24) أن الحركات جاهزة للتفاوض وفي انتظار وصول وفد التفاوض الحكومي إلى جوبا لبداية النقاش حول ملف الترتيبات الأمنية، قائلا إن الجميع على استعداد للتوصل لاتفاق حول الملف.
وأوضح أن فصائل الجبهة الثورية ليست لديها رؤية مشتركة حول معالجة الترتيبات الأمنية ولكن مجموعة مسار دارفور متفقة على عدم التوقيع بالأحرف الأولى على اي اتفاق قبل حسم ملف الترتيبات الأمنية.
امتحان صعب
وفي الخرطوم قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، الأربعاء إن المرحلة الأولى لتحقيق السلام اكتملت بعد اجتماعات مطولة من المفاوضات، وأن النقاط الست الخلافية التي جاء وفد الجبهة الثورية للخرطوم لمناقشتها قد تم الاتفاق عليها جميعاً.
وكشف عن ابتعاث وفد إلى دولة الجنوب للمشاركة في توقيع الاتفاقية مع الجبهة الثورية ومناقشة وضع الترتيبات الأمنية، مؤكداً حق جوبا في استضافة التوقيع النهائي بعد المفاوضات التي استمرت شهوراً طويلةً بذلت فيها حكومة جنوب السودان ووفد الوساطة جهودا كبيرة فى تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
من جهته يقول الخبير في دراسات السلام، الدكتور عباس التجاني، لـ (دارفور 24) إن ملف الترتيبات الأمنية سيكون الامتحان الأصعب لأطراف التفاوض لكن توفر الثقة والإرادة والرغبة الجادة والنوايا الصادقة للأطراف ستسهل الأمر وستكون العامل الحاسم في التوصل لاتفاق مشترك.
وأضاف “الجيوش والسلاح تمثل الأدوات التي قادت الحركات لطاولة المفاوضات فلولاها لما استمع إليهم احد، على الأقل في العهد البائد، لذلك فإن قادة الحركات لن يتخلوا بسهولة عن جيشهم ما لم يجدوا التطمينات الكافية من الطرف الآخر حول رغبته الجادة في تنفيذ الاتفاق دون نكوص”.
ولا يرى التجاني مشكلة في مطالب الحركات بتضمين جيشها ضمن قوة عسكرية لحراسة الأمن في دارفور والمساعدة في عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم، ويقول إن جميع الجيوش سيتم دمجها وتسريحها في إطار الخطة الاستراتيجية للإصلاح وبناء جيش قومي مهني، كما أن بعثة الأمم المتحدة السياسية ستكون قريبة من الملف بصورة لا تسمح بقوع اي تفلتات كما هو حادث اليوم.