الخرطوم ـ دارفور 24
يترقب المُحيط المحلي والخارجي، القرارات المِفصلية والهامة التي سيُعلن عنها رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان الدكتور عبدالله حمدوك، خلال أسبوع من الآن والتي ستُحدد مسار الفترة الإنتقالية سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
واستبق رئيس الوزراء تاريخ الثلاثين من يونيو الماضي بيوم، وخرج ليُخاطب الشارع السوداني بصفة خاصة والعالم بصفة عامة، بأن هنالك قرارات حاسمة ومصيرية ستصدر في غضون خمسة عشرة يوماً، وأن تلك القرارات ستجعل البعض «محلياً وخارجياً» يستغلّها لإحداث حالة عدم استقرار بهدف إعادة مسيرة البلاد إلى الوراء، وهو ما أكدته وزارة الثقافة والإعلام، بوجود جهات تتعمّد تداول أخبار كاذبة وإشاعات، للنيلِ من حكومة الثورة في ظلّ توجهها الصارم لمحاسبة المُفسدين.
وتحدث البعض إلى «دارفور 24»، بأن حمدوك، سيلتزم بتحقيق سلام شامل، مع إنفاذ العدالة والقصاص لضمان عدم تكرار جرائم الثلاثون عاماً الماضية من حُكم المخلوع عمر البشير، كما أنه سيتجه صوب محاربة سياسات الإفقار المُنظم التي عانى منها المواطن إبان حُكم المخلوع، وذلك بإنتهاج سياسات إقتصادية متوازنة تضمن التنمية وعدالة توزيع الموارد وتوفير الخدمات الأساسية للجميع.
روح الثورة
قال المهندس عادل خلف الله عضو اللجنة الاقتصادية لقوى اعلان الحرية والتغيير والتي تُمثّل الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية، إن القرارات المتوقع أن يصدرها رئيس الوزراء، ستتضمن المطالب التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة وأسر الشهداء، متوقعاً ان يكون لتلك القرارات أثراً إيجابياً وُمعبراً عن الثورة وروحها وتطلعات جماهيرها تنتهي معها ثلاثة عقود من الحرب والظُلم والفقر.
وأبلغ عادل «دارفور 24»، أن المطالب الاقتصادية للشعب تتمثّل في اتخاذ قرارات توقف تدهور قيمة الجنيه السوداني، والتي يترتب عليها إستقرار وانخفاض لأسعار السلع الأساسية مع وفرتها.
وأما سياسياً، فحدد المهندس عادل، المطالب في أهمية استكمال هياكل الحكم وفي مقدمتها تعيين الولاة المدنيين، حيثُ رأى أنه لم يعُد هنالك اختلاف حول ما ترتب على استمرار السيولة «الغياب السياسي والتنفيذي في الولايات» نتيجة عدم تعيين ولاة مدنيين لمباشرة مسؤلياتهم الإدارية والتنفيذية.
وتوقع عادل، صدورع قرار عاجل بتشكيل المؤسسة التشريعية، ومضى قائلاً: «لا يُمكنا أن نعزل ضعف وتراخي الاداء التنفيذي مركزياً وولائياً عن عدم تكوين المؤسسة التشريعية للقيام بدورها الرقابي». كما توقع صدور قرار يستعجل تشكيل المحاكم الخاصة بتقديم رموز النظام للمحاكم بما فيها محكمة مُدبري انقلاب 30 يونيو 1989، والجرائم الأخرى المُرتكبة خلال ثلاثون عاماً، وهي فترة الحُكم العسكري للمخلوع عمر البشير، للبلاد.
وتمنى المهندس عادل، أن يكون ضِمن القرارات تشكيل بورصة للذهب والمحاصيل، وشركات مساهمة عامة تُمكن الدولة من السيطرة على الذهب والمعادن استثمار وشراء، وفي نفس الوقت تُصبح الدولة عي المسؤولة عن توفير السلع الضرورية.
إعفاء وزراء
وكشف عادل وهو الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي ـ أحد مكونات الحكومة الإنتقالية ـ أن مِن ضمن المطالب التي تسلّمها رئيس الوزراء، إعادة النظر في تشكيل مجلس الوزراء، بسبب ضُعف أداء بعض الوزراء، وأنهم ليسوا بمستوى طموحات الشعب، وهو ما سيُمهّد لاستيعاب ما يترتب على اتفاق السلام مع حركات الكفاح المسلح، والمتأثرين من الحرب من نازحين ولاجئين وأصحاب الشأن الذين تضررت حياتهم بسبب الحرب.
ونبّه إلى أن اتخاذ أي قرارات في الشان السياسي والاقتصادي، دون ربطها بالإرادة السياسية والتنفيذية لها ستُصبح قرارات لا طائل من ورائها.
النظام البائد والشيوعي
اتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة، مع ما ذهب إليه رئيس الوزراء، بأن البعض سيجعل من تلك القرارات فرصة لإعادة البلاد إلى الوراء.
وقال شقيلة، لـ«دارفور 24»، «من المؤكد أن تلك القرارات ستُثير بلبلة، فهنالك كثيرون ضد هذه القرارات، وفي مقدمتهم عناصر النظام البائد، باعتبار أنهم ضد أي شيء تقوم به الحكومة، وهذا أمر طبيعي ومُتفهّم، بجانب تنظيمات أخرى مثل الحزب الشيوعي الذي هو ضد مسالة نظام السوق الحر ورفع الدعم لإيمانه بالنظام الاقتصادي النقيض وهو الاقتصاد الاشتراكي القائم على الهيمنة الكاملة للدولة على السلع والخدمات والذي لم ينجح حتى في البِلدان الاشتراكية ذات الوزن والتي طبقته سابقاً».
ورأى أن عدم صدور تلك القرارات حتى اللحظة ليس بالأمر المزعج ـ على حد تعبيره ـ، باعتبار أن إصدار القرار في ظل الأوضاع الحالية المعقدة في السودان تستوجب مشاورات واسعة وتوافق بين مكونات الحكومة.
وتوقع شقيلة، ان ترتبط القرارات السياسية ترتبط بتعيين الولاة المدنيين، وقبول فصل الدين عن الدولة عبر المفاوضات معالقائد عبدالعزيز الحلو.
وأما إقتصادياً فسيرتبط بمسالة رفع الدعم عن السلع والخدمات، باعتبار أن معالجة الأزمة الاقتصادية تقوم على حزمة متكاملة من السياسات بدأت الحكومة تنفيذها تباعاً ومن ضمنها الدعم المالي المباشر، ورفع الأجور، ورفع الدعم الجزئي لبعض السلع خاصة الوقود، وسيتم الانتقال الى رفع الدعم الكامل عن كل السلع والخدمات ما عدا الصحة والتعليم.
واستبعد شقيلة، أن تكون ضمن القرارات المتوقع صدورها في أي لحظة، إعفاء وزراء، وذلك في ظِل فجر سلام بدأ جلياً مع الجبهة الثورية، وبالضرورة ستكون فيه محاصصات للأسف ـ على حد وصفه ـ، وفي تلك اللحظة سيحدُث بالضرورة تغيير الوزراء الذين ظهر ضُعف أدائهم، وهذا سيكون في إطار عملية واحدة لإعادة تقاسم الكعكة الجديدة ـ إن جاز التعبير ـ واستدرك قائلاً: «ولكن لا أتوقع أن يتم عزل أحدهم في الوقت الراهن حتى لا تتم عمليتين في تغيير الجهاز التنفيذي خلال فترة متقاربة».
وارتضى الشعب السوداني، حمدوك، المولود في عام استقلال السودان «1956م»، على رئاسة مجلس الوزراء قبل عام من الآن، ليقود «حكومة الثورة الحالية»، والتي جاءت بعد ثلاثة عقود من الزمان ظلّت خلالها البلاد محكومة عسكرياً بعد أن استلم «العميد» عمر البشير ـ حينها ـ الُحكم، قبل أن تُسقطه ثورة ديسمبر المجيدة في العام 2019، وتُرسله إلى سجن كوبر، وهو بِرُتبة «مشير» ليواجه تُهم قتل وفساد، برفقة آخرين من رموز حكومة الإنقاذ البائدة، والتي كان الإسلاميين بقيادة زعيم الجبهة الاسلامية القومية في السودان وقتها الراحل حسن الترابي، جزءاً أصيلاً منها، والتي أطاحت بالحكومة المنتخبة حينها والتي كان يترأس مجلس وزراءها زعيم حزب الأمة القومي الحالي الصادق المهدي.