وصلت أزمة الدواء في السودان مرحلة متأخرة بعد ان انعدمت أغلب الأصناف من رفوف الصيدليات خصوصاً الأدوية المنقذة للحياة، حيث ارجعت وزارة الصحة الأزمة إلى عدم إلتزام وزارة المالية بسداد فاتورة الدواء منذ ديسمبر .2019.
ودفعت لجنة صيادلة السودان المركزية بمذكرة عاجلة إلى مجلس الوزراء تطالبه بضرورة التدخل لإيجاد حلول ناجعة من قبل الدولة الأزمة لضمان حق المواطن في الحصول على دواء آمن وفعال بالسعر المناسب والمستطاع.
أزمة الدواء التي يعيشها السودان وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بين وزارتي الصحة والمالية، كل منها تتهم الأخرى بالتسبب في الأزمة.
وحسب خطاب كتبه وزير الصحة، د. أكرم التوم، موجه إلى وزير المالية، إبراهيم البدوي، واطلعت عليه “دارفور 24” فإن كارثة وشيكة الحدوث بسبب انعدام الأدوية المنقذة للحياة ان لم تفي وزارة المالية بالتزامتها المالية تجاه قطاع الدواء.
وقال التوم في خطابه إنه بالرغم من التزام الحكومة بدعم سعر الدواء كسلعة استراتيجية، والحاح وزارة الصحة الاتحادية المتكرر من أجل تنفيذ وزارة المالية لذلك الالتزام منذ العام الماضي، لكن عجزها عن سداد فاتورة الدواء لعدة أشهر منذ ديسمبر 2019 وحتى الآن اوصل اليوم إلى انعدام العديد من أصناف الدواء في البلاد، بما في ذلك العديد من الادوية المنقذة للحياة.
وأشار وزير الصحة إلى التزام سابق من وزارة المالية بدعم فاتورة الدواء واستعداد لتخصيص حوالي 20 مليون دولار فقط شهريا حتى نهاية عام 2020 كسداد جزئي لفاتورة الدواء بواسطة الصندوق القومي للإمدادات إضافة الى دفع 5 مليون دولار شهريا كأقساط لسداد 35 مليون دولار عبارة عن مديونية على الصندوق، على ان يكون التسعير 55 جنيها للدولار ويكون سعر تسعيرة الدواء مبلغ 18 جنيها للدولار.
وطلب أكرم من البدوي تحويل هذه المبالغ بحلول الاثنين 15 يونيو الجاري، لحساب الإمدادات لتفادي الوقوع في “مستوى أسوأ من الكارثة الصحية التي تعيشها البلاد”.
وأضاف “أي تراجع عن تنفيذ الدعم سيكون له آثار سلبية على صحة المواطن وهو ما لا تقبله وزارة الصحة إطلاقا.. وصلنا الآن الى مرحلة انعدام العديد من أصناف الدواء في البلاد بما في ذلك العديد من الأدوية المنقذة للحياة”.
لكن وزارة المالية سارعت للرد على خطاب أكرم بعدما تسرب للاعلام وقالت في بيان إن موقف وزارة المالية من موضوع الدواء هو دعم الصناعة المحلية للأدوية بتمكينها من استيراد كافة احتياجاتها من جميع مدخلات الإنتاج المستوردة، وفي نفس الوقت توفير التمويل الكافي لتوسيع مظلة التأمين الصحي ونوعية الخدمات التي يقدمها.
وفي مكان آخر طالب وزير المالية د. إبراهيم البدوي، رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتشكيل لجنة للتحقيق في أزمة الدواء. وقال البدوي في تغريدة له على تويتر ردا على أحد متابعيه: “تعلم أنه بالرغم من مبدأ الشفافية التي إلتزمت بها وزارة المالية بتمليك الحقائق للشعب، إلا أن قواعد العمل في الدولة تلزمني بعدم التطرق للمراسلات الداخلية، وما يشغلني الآن هو الحل العاجل لأزمة الدواء، وطلبت من السيد رئيس الوزراء تشكيل لجنة للتحقيق في هذا الشأن”.
ارتفاع الأسعار
وأبلغت الصيدلانية إنشراح عصمت، «دارفور24»، أن وضع توفر الأدوية حالياً أفضل من شهر مايو المنصرم، ورأت أن للظروف التي يمر بها العالم عامة والسودان بسبب جائحة كورونا أثره البالغ في سوق الأدوية، ما جعل سعر بعض الأدوية يرتفع من «50%» إلى «150%»
وذكرت إنشراح التي تعمل في صيدلية فاطمة بمدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة، أن هنالك إنعدام لدواء «الأنسولين» الخاص بمرضى السكري، بالإضافة إلى المضادات الحيوية، مع توفر أدوية الضغط إلى حدٍ ما.
وقالت إنشراح، إن هنالك أزمة في أدوية الإلتهاب و«النزلة» والمعدة و«الموف» الخاص بتخفيف آلام العضلات، مع تزايد الطلب على دربات الملح، كاشفةً في الوقت ذاته عن عدم توفر أدوية الملاريا والتايفود نهائياً،
وأشارت إلى أن أكثر الأدوية الموجودة حالياً في الأسواق السودانية تنتجها شركات وطنية، ولم تستبعد في الوقت ذاته أن تكون هنالك عملية إحتكار للأدية.
ولفتت إلى أن طلبيات الأدوية كانت تأتي إليهم قبل ظهور فيروس كورونا بكميات كبير بخلاف اليوم، إلا أنها لم تنقطع تماماً في الوقت الحالي.
ودعت إنشراح، إلى الاستفادة من الأدوية التي توجد حالياً في المستشفيات والمراكز الصحية المغلقة بسبب جائحة كورونا.
في السياق، كشف مساعد صيدلي شهاب الدين عثمان الحوري، عن اختفاء حقن «الهايدروكروزون» لمرضى الحساسية، مع ارتفاع أسعار حبوب «الأندستين» من «12 ألف إلى 40 ألف»، كما كشف عن شكاوى للمواطنين من عدم توفر الدربات والمحاليل الوريدية وحتى في حال توفرها فإن أسعارها خيالية ـ على حد وصفه.
وأضاف أن دواء «السيبرو» لمُصابي التايفود والتهابات البول ارتفعت أسعارها وقاربت الـ«200جنيه» بدلاً عن 40 ألف سابقاً، وشريط البندول الذي به «4» حبات ارتفع من «20 إلى 50 ألف»، كما أن «الأمبوكلكس» الذي ارتفع سعره من حوالي «15 إلى 150 ألف جنيه.
ونبّه الصيدلاني شهاب الدين، إلى أن أسعار الأدوية وإن وُوجدت فهي في تزايد، ودلل على ذلك بأن حبوب أموكلان 1 جرام زادت من «150 ألف إلى 400 ألف»، وأن دواء المعدة «أومابرازول» معدوم بعد ان زاد سعره من «80 و100 ألف إلى 280 ألف»، بالإضافة إلى علاج الملاريا «كوارتم» الذي وصل إلى «400 ألف» بدلاً عن «100»، و«أموكسيل كبسول» الذي وصل سعره إلى «150 ألف» بعد أن كان بقيمة «40 ألف».
وأشار إلى إنعدام «الأنسولين المخلوط» لمرضى السكري، و«الهيبرين» لأصحاب الجلطات والذي قال إن من الصعب الحصول عليه.
ونوه إلى أن الأدوية المجانية التي تأتي إلى المستشفيات والمراكز الصحية، إما قليلة جداً، أو نسبة الحوجة إليها قليلة جداً.
وحمل شهاب الدين، الشركات أسباب إرتفاع الأسعار من خلال تسعيرتها بزيادة الأسعار بنسبة «100%» الأمر الذي رفضته وزاة الصحة السودانية، إلا أنه عاد وقال: «كان الأرحم أن تقبل وزارة الصحة بزيادة الـ100% التي تُريدها الشركات لأن الأسعار حالياً تكاد تصل إلى 400%»
من جانبه، تحدث المواطن الخمسيني عثمان علي، لـ«دارفور24»، عن معاناته في الحصول على جرعة دواء، حين قال بأنه ذهب إلى ثلاثة صيدليات بالإسم لشهرتها من حيث توفر الأدوية مهما إنعدمت في بقية الصيدليات إلى أنه تفاجأ بأن الدواء الذي ذهب إليه «أموكلان» الذي يحتاجه طفله ذو الـ«10» أعوام غير متوفر.
وأضاف أنه يحتاج إلى أدوية أخرى بخلاف «أموكلان» إلى أنه فشل في الحصول على بعضها وحتى التي حصل عليها كانت أسعارها «خُرافية» ـ على حد تعبيره ـ، الأمر الذي جعله يُقرر الرجوع إلى منزله بلا دواء.
بدورها قالت المواطنة فاطمة الوسيلة، والتي إلتقتها «دارفور24» وهي تحمل دفتر صرف أدوية الأمراض المزمنة، إنها استطاعات الحصول على نصف احتياجاتها من أدوية الضغط والسكري، وأضافت أنها لم تنجح في لحصول على دواء «الأنسولين» رُغم ترددها لِعدّة ايام على الصيدليات في قريتها وفي مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، وتابعت قائلةً: «رغم ظروفي المالية الصعبة إلا أنني بحثت عن الدواء حتى وإن كان خارج التأمين الصحي لشرائه ولكن دون جدوى».