شرق تشاد- دارفور24- شمائل النور
لم تنجو السيدة “ف” من الاغتصاب حينما دوى صوت البنادق معلناً الحرب في إقليم دارفور في 2004، مثل نساء كثيرات تعرضن للاغتصاب خلال الحرب في الإقليم المأزوم منذ أكثر من 16 عاما. “ف” ساقتها أول موجة لجوء من دارفور إلى شرق تشاد بحثاً عن مأمن هناك وهي واحدة من “150” ألف لاجئ ولاجئة يتوزعون في “13” معسكر مشتتة على طول الشريط الشرقي لدولة تشاد ذو الطبيعة الصحراوية القاحلة.
بعد سنوات قضتها في معسكر “ملي” استطاعت تناسي ما حدث لها بعدما استقر بها الحال في المعسكر، لكن ظلال الحرب التي تعيشها مع أخريات في المعسكر أصرت على تكرار المرارات. فبعد 16 عاما تتعرض إبنتها ذات الـ (17) عاما إلى ذات الحادثة، فقط مع تغير الظروف.
الطفلة “ن”، بالكاد تستطيع سرد ما حدث لها في ذلك اليوم حينما كانت قادمة وأخريات من رحلة احتطاب أعترضهن بعض الشبان، لكن “ن” ذات القوام النحيف لم تستطيع الإفلات فوقعت فريسة للاغتصاب. وتتعرض الفتيات هناك خلال عمليات الاحتطاب إلى حوادث اغتصاب مماثلة منذ أكثر من 10 شهور بعد توقف المنظمات الإنسانية عن الدعم، وتمثل هذه الظاهرة أبرز القضايا المقلقة لنساء المعسكرات اللائي هربن من الاغتصاب في بلدهن لكن لا زال يلاحقهن حتى في مأمنهن، وتمارس النساء في المعسكر عمليات الاحتطاب منذ توقف المنظمات الإنسانية، ويمثل الحطب الوقود الرئيسي للطبخ عطفاً على بعض الأعمال التجارية ذات الربح الزهيد لنساء المعسكر.
ولجأت المنظمات الإنسانية إلى آلية جديدة لتصنيف سكان المعسكرات، ووفقاً للاجئين تحدثنا إليهم فإن المنظمات عمدت تصنيف اللاجئين إلى “لاجئ غني، متوسط وفقر” وتكتل سكان المعسكرات ووحدوا موقفهم الرافض لمبدأ التصنيف وبناء على هذا الموقف رفض المصنفون تحت بند “لاجئ فقير” تلقي أي دعم من المنظمات مالم تتوقف آلية التصنيف. وخلفت هذه الآلية الجديدة آثارا واضحة في الغذاء الذي اضطر بعده سكان المعسكرات إلى اللجوء إلى وسائل أخرى، منها الاحتطاب بالنسبة للفتيات.
ولم تكن الضحية “ن” راغبة في إخبار والدتها، لكن حينما وقعت الواقعة لم تستطيع الوصول إلى بيتها إلا بمساعدة بعض الفتيات اللائي وجدنها ملقاة على قارعة الطريق فاضطررن إلى إخبار والدتها، ولم تنته الحكاية في حد هذا الانتهاك الصارخ، فقد وقع الحمل، وبعد شهور معدودة وجدت الطفلة الضحية نفسها أم لطفلة جديدة، وحينما سألنا جدتها “ف” هل فكرت في التخلص من الجنين عبر عملية إجهاض؟ لكن الجدة بدت عليها علامات الاستغراب من حديثنا وبسرعة كان ردها ” لا لا حرام”، وحينما سألناها عن نسب الطفلة في الأوراق الرسمية، قالت في هذه الحالة نستخدم أي إسم، وزادت توضيحاً: وحينما تكون المغتصبة متزوجة ويقع حمل يُنسب الجنين لزوجها مباشرة، سألناها: وهل يقبل الأزواج بهذا الوضع، ردت “طبعا، مافي خيار”.
وتقول “فائزة” التي تنشط في قضايا النساء هناك، إن الاغتصاب خلال عمليات الاحتطاب بات يتكرر يومياً وتناشد الجميع بضرورة الالتفات إلى النساء وإنقاذهن، ولا توجد إحصائيات لهذه الظاهرة الجديدة ذلك لتفضيل الضحايا الصمت والكتمان نظراً لحساسية مثل هذه القضايا في المجتمعات المحلية. وعلى مدى سنوات الحرب في دارفور نالن النساء النصيب الأكبر من الانتهاكات وجرائم الحرب، وأُستخدم الاغتصاب سلاحا فتاكا ضد النساء في الإقليم الذي يترقب سكانه بحذر مفاوضات السلام الجارية في عاصمة جنوب السودان، جوبا بعد سقوط نظام الرئيس السابق، عمر البشير، وأصدرت محكمة الجنايات الدولية في العام 2009 مذكرة توقيف ضد البشير لاتهامات تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي أُرتكبت في دارفور.