اتفق خبراء اقتصاديون وسياسيون، بأن تشكيل الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية السودانية برئاسة قائد الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان حميدتي، دليل فشل للحكومة الانتقالية، في انقاذ اقتصاد السودان من الانتهيار.
وذهب البعض إلى أن وزير المالية والتخطيط والاقتصاد، إبراهيم البدوي، لا يزال ينتهج ذات سياسات النظام البائد التي أثبتت فشلها، وبسببها إندلعت شرارة الثورة، فيما قال آخرون إن نجاح «الآلية» من عدمها، يُحدده تكوينها وتنوعها، والسلطات الممنوحة لها، وتجانسها، وقدرتها على اتخاذ القرار وتنفيذه ورقابته.
وأصدر مجلسا السيادة والوزراء والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في وقت متأخر من مساء «الخميس» الماضي، قراراً بتشكيل آلية عليا لإدارة الإزمة الاقتصادية تتولى تنفيذ حزمة اجراءات عاجلة، تتمثّل في توفير السلع الاستراتيجية من وقود وقمح ودواء.
وتعيش العاصمة الخرطوم، والولايات أزمة حادة بسبب نقص الدقيق، والوقود، والذي إنعكس بصورة واضحة في صفوف الخبز، ومحطات الوقود، واستمر لِعدّة أيام رُغم إعلان الحكومة عن محطات وقود تجارية، وتنظيمها لعملية البيع المدعوم للوقود، من خلال تحديد أيام للمركبات التي تبدأ لوحاتها بأرقام زوجية، وأيام للسيارات ذات الأرقام الفردية، وترك يوم الجمعة لتعبئة جميع العربات.
اختصاص الوزراء
وفي الوقت الذي يُنتظر أن تعقد فيه آلية إدارة الأزمة الاقتصادية، والتي يرأسها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو «حميدتي»، اجتماعاً، صباح «الأحد»، في القصر الجمهوري، أبلغ القيادي في قوى الحرية والتغيير، والأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني الماحي سليمان، «دارفور24»، أن معالجة الأزمة الاقتصادية من اختصاص مجلس الوزراء لا «السيادة»، مُطالباً بأن تكون رئاسة الآلية للجهاز التنفيذي، حتى يكون بمقدوره إطلاق يد الاقتصاد ومحاسبته فيما بعد.
واستغرب سليمان، وجود مجلس السيادة في لجنة متعلّقة بعمل تنفيذي من تجارة وصناعة وزراعة وغيرها، معتبراً رئاسة مجلس السيادة للآلية مؤشر فشل، وأن الحكومة عاجزة إلى الآن عن ايجاد حلول للأزمات الاقتصادية، واستدرك قائلاً: «الآلية تُعطينا بصيص أمل بإيجاد حل وننتظر نتائج عملها، وهي إحدى المحاولات لتدراك الوضع المعيشي السيء الآن».
عجز حكومي
بدوره، قال الخبير الاقتصادي، ومدير جامعة البحر الأحمر بروفيسور حسن بشير، إنه يجهل هذه الآلية وآليات عملها للتصدي للأزمة، ورأى أن تشكيلها ينُم عن عجز حكومي باعتبار أن حل هذه الأزمة كان ينبغي أن يتم عبر السياسات والوزارات المختصة والتصدي لمؤسسات التمكين الخاصة بالنظام البائد والجوانب المتعلقة بشركات الأمن والقوات النظامية الأخرى والتي تُسيطر على نسبة كبيرة جداً من الاقتصاد النشط، إضافة للجوانب المتعلقة بإصلاح قطاع الاتصالات والجهاز المصرفي وإيجاد الآليات المناسبة للصادرات وجذب الودائع من الخارج أو تدفقات مالية بالنقد الأجنبي من الخارج.
وأضاف متسائلاً: «هل هي حكومة داخل حكومة أم ماذا؟، وهل ستعمل نيابةً عن المؤسسات الحكومية؟.. هذه تعبير عن عجز واضح، واختلال في النظام الحكومي خاصةً الاقتصادي»، وذلك في ظل عدم فاعلية لجان المقاومة لمراقبة إنسيتب السلع والوقود.. وعموماً سننتظر هذه الآلية، فالعِبرة في النتائج».
وتساءل الخبير الاقتصادي البروفيسور حسن: «ما وضع هذه الآلية قانونياً ودستورياً مستقبلاً، كما أنه ليس منصوصاً عليها في الوثيقة الدستورية».
سياسة قديمة
من جانبه، أشار عميد كلية الاقتصاد بجامعة المشرق والخبير المصرفي ومدير عام سوق الخرطوم للأوراق المالية الأسبق د. عصام الزين عصام، إلى أنه تفاجأ بتكوين هذه الآلية، ويجهل مهامها وعلى أي شيء تعتمد في فهمها للمشكلة الاقتصادية وتحليلها ومعالجتها، وما علاقتها بالبنك المركزي، ووزارة المالية، مما يجعل من الصعوبة بمكان التحليل بشأنها.
ونصح الحكومة، بتغيير سياسات النظام البائد المُجرّبة، والتي أثبتت فشلها، والتي قال إن نتائجها كانت سيئة خلقت مؤشرات اقتصادية سالبة، ورأى أنه لا يُمكن لعاقل أن يُجرّب سياسة فشلت قبل اليوم.
ورأى عصام، أن وزير المالية والتخطيط والاقتصاد إبراهيم البدوي، يُطبق حالياً وبالخط العريض ذات سياسات وزير المالية في حكومة الإنقاذ البائدة معتز موسى، والتي بسببها إندلعت شرارة الثورة، وارتفاع معدلات التضخم، وانهيار العُملة الوطنية، وهو ما يعني الدوران في حلقة مفرغة، في ظل تجاهل الحكومة، عن تقديم تنوير الرأي العام، بالآلية، باعتبار أن المشاركة الشعبية أساس النجاح.
4 حلول
وفي سياق الآلية، حدد الخبير الاقتصادى استاذ الاقتصاد بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الدكتور عبد العظيم المهل، لمعالجة الأزمة الاقتصادية السودانية، بإيجاد منهجية واضحة لحل المشكلة الاقتصادية والتي قال إنها غائبة، مع إبعاد المشكلة الاقتصادية من التجازبات الحزبية المُختلفة والخلافات الولائية والإثنية وغيرها، كما أنه لابد من الاهتمام بمعاش الناس بصورة مباشرة وعلى الحكومة إعطاء ذلك أولوية عُظمى، ويجب ربط حل مشاكلنا حسب إمكانياتنا الوطنية، وعدم ربط حل المشاكل بالمعونات والهِبات والقروض الأجنبية، واستدرك: في حال جاءت تلك القروض تُصبح زيادة، لكن حل المشاكل ينلغي أن يُبنى على دراسات (عملية واقعية وطنية).
تغيير الطاقم
ولفت المهل، إلى أن الآلية جرى تكوينها نتيجةً لضغوط الشارع، وبسبب أن القرار يُمكن أن يكون فردياً إلا أنه يُؤثر على مصائر جميع الشعب، وتكوين الآلية جاء نتاجاً لِضعف المؤسسات القائمة من وزارات وهيئات، وتحديداً الاقتصادية، والتي فشلت في تحقيق أي إنجاز يُذكر، بدليل أنها لم نستطع حتى تثبيت التردي الاقتصادي، وبالتالي كان لابُد من البحث عن طريق آخر.
ونوّه إلى أنه كان هنالك خِيار تغيير الطاقم الاقتصادي التنفيذي الحكومي بسبب فشله، أو البحث عن آليات وأجسام موازية، والتي لها إشكاليات تتمثل في التضارب والتنافر بين تلك الأجسام والوزارات التنفيذية، ويبدو أن هنالك تنافر بين قوى الحرية والتغيير من جانب، والجهاز التنفيذي من ناحية أخرى.
وقال الدكتور عبد العظيم المهل، إن نجاح الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية السودانية، من عدمها، يُحددها تكوينها وتنوعها، والسلطات الممنوحة لها، وتجانسها، وقدرتها على اتخاذ القرار وتنفيذه ورقابته.