وضعت الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة عبد العزيز الحلو، حق تقرير المصير للمنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق” على رأس المطالب التي تطرحها في طاولة “مفاوضات جوبا” مع الحكومة الانتقالية، قائلة إنها لن تتنازل عنه في حال عدم التوافق على علمانية الدولة، وإلغاء كافة التشريعات والقوانين ذات الصبقة الدينية، وعلى رأسها المتصلة بالشريعة الاسلامية.
وتبرر الحركة الشعبية لمطالبها باقامة دولة علمانية لا تعتمد الشريعة الاسلامية في قوانينها بأن أغلب سكان منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لا يدينون بالإسلام وانما يعتنقون الديانة المسيحية، وهو ما يجعل عدم منطقية اخضاعهم لقوانين اسلامية.
ومنذ الثلاثاء الماضي العاشر من ديسمبر الجاري إنطلقت الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، من جهة وفصائل الجبهة الثورية من جهة أخرى، مع حكومة الفترة الإنتقالية بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان.
ويوم السبت وقع وفد الحكومة الانتقالية والأطراف الأخرى من الحركات المسلحة على تجديد إعلان جوبا لإجراءات بناء الثقة والتحضير لمباحثات السلام السودانية وتمديد فترة التفاوض لمدة شهرين.
وبدأت اليوم الاثنين أول جلسة مفاوضات بعد تمديد إعلان جوبا، وركّزت الجلسة على بلورة جدول وأجندة مناقشة القضايا الأساسية والالتزام بالتوصل إلى اتفاق قبل حلول الخامس عشر من فبراير 2020.
وقال المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجاك محمود، في بيان تلقته (دارفور 24) أمس إن وفد الحركة جاء مسلحا بإرادة صادقة، ومفعما بالأمل في إحداث إختراق حقيقي يدفع بالعملية السلمية إلى الأمام رغم إدراكه بوعورة الطريق والتحديات الماثلة.
ونفى البيان ما اوردته وسائل اعلامية حول تخلي الحركة الشعبية عن المطالبة بحق تقرير المصير. مضيفاً “الحركة الشعبية إذ تدحض الشائعات التي تروج لها بعض وسائل الإعلام، تؤكد أنها ثابتة في مواقفها التفاوضية ولم تقدم أي تنازل في المواقف المبدئية، بل تصر على التفاوض في كل القضايا التي تشكل الجذور التاريخية للمشكلة السودانية ومعالجتها دون تأجيل لأي منها، أو ترحيلها الى ما يسمى بالمؤتمر الدستوري فتحقيق السلام العادل، الشامل والمستدام قضية إستراتيجية لها إستحقاقات معلومة وواجبة السداد، ويجب أن تحتل سلم الأولويات”.
وأضاف “نؤكد أن الجولة الحالية من المحادثات والتي إنطلقت منذ العاشر من ديسمبر لم تسفر حتي اللحظة عن أي تقدم أو نتائج إيجابية تدفع بالمفاوضات إلى الأمام، فما نزال على عتبة التفاوض، ولم نحقق أي إختراق يذكر فيما يتعلق بنقاط الخلاف حول إعلان المبادئ، خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير”.
وشدد البيان أن موقف الحركة الشعبية الثابت هو بناء دولة علمانية قابلة للحياة ومنع سن وفرض قوانين ذات طابع ديني، قائلاً إن الفشل في تحقيق ذلك سيقود إلى أن تصبح المطالبة بحق تقرير المصير موقفا مبدئياً.
وفي جولة المفاوضات الأولى طرح وفد الحركة الشعبية في ورقة إعلان المبادئ التي سلمها للوفد الحكومي عدد من المطالب بينها الدعوة الى علمانية الدولة وضرورة مراعاة التنوع الذي يعيشه السودان عند تقسيم السلطة فضلا عن قضايا أخرى. وأشارت الحركة الشعبية في ورقتها الى أن تعذر التجاوب مع هذه المطالب يستدعي منح المنطقتين حق ” تقرير المصير”.
العلمانية او التجزئية
يقول المحلل السياسي، د. محمد أحمد شقيلة، لـ (دارفور 24) إن تقديم مطلب حق تقرير المصير من قبل الحركة الشعبية هو في حقيقته ليس شرطاً لها بقدر ما هو بديل في حالة رفض الطرف الحكومي المفاوض إقامة دولة علمانية باعتبار انها الضامن الوحيد في تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
وأضاف “تقديم تقرير المصير كبديل هو يصب في خانة مدى الجدية التي يمكن ان يتحلى بها المفاوض الحكومي في تحقيق وطن يسع الجميع ويتساوون فيه دون تمييز ومدى حرصه على المحافظة على وحدة البلاد”.
وأوضح شقيلة أن المشكلة الأساسية في السودان هي مشكلة هوية وان التهميش السلطوي والتنموي ما هو إلا انعاكسات لها، مؤكداً أن مشكلة الهوية ترتبط بشكل ما بعدم علمانية الدولة، مضيفاً “لذلك يكون مطلب العلمانية هو ما يمكن ان يزيل المظالم ويحقق المساواة ودولة المواطنية ووحدة البلاد، وهذا بعيداً عن العواطف والعكس صحيح”.
وذكر أن التمسك برفض علمانية الدولة سيقود في النهاية الى مزيد من تجزئة السودان، وزاد “وحينها الاقليم الجنوبي سيكون فقط هو أول المغادرين وليس المغادر الوحيد سيما انه ليس هنالك ما يجبر أحد بان يكون مواطناً ًيمارس التمييز ضده في وطنه وان لا ينعم بوطن يقوم على الحرية والعدالة والمساواة بين مواطنيه، ولا اعتقد ان اي أحد يمكن ان يقبل بمثل هذه الوضعية”.
وقال مالك عقار، رئيس الحركة الشعبية المنشقة من فصيل الحلو، في تصريحات أمس على هامش انطلاق مفاوضات السلام، إن وحدة السودان وأمنه أهم مرتكزاتهم في مفاوضات جوبا للسلام، مؤكداً أهمية توحيد الجيش السوداني وإعادة هيكلة القوات الأمنية لضمان استدامة السلام.
وأشار عقار، إلى أن حسم علاقة الدين بالدولة يجب أن يتم عبر مؤتمر دستوري يجمع كل السودانيين، منوهاً في الوقت ذاته إلى أن العملية السلمية في السودان ستؤسس لبناء علاقات خارجية سليمة.
ورأي أن فترة الشهرين كافية للتوصل لاتفاق سلام لكل السودانيين في ظل توفر الرغبة والإرادة لدى جميع الأطراف، مشيرا إلى أن المسارات الخمس تعمل على حل القضايا في إطار قومي مع احترام خصوصية كل منطقة.
موقف تفاوضي
ويرى مدير مركز سلام ميديا، الدكتور عباس التجاني، أن مطلب حق تقرير المصير الذي دفعت به الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال مفاوضات جوبا ما هو إلا موقف تفاوضي، وقال لـ (دارفور 24) إن شرط علمانية الدولة او تقرير المصير ليس من حق الوفد الحكومي لاعطائه للشعبية وإنما هذه قضايا مكانها المؤتمر الدستوري الذي يفصل فيها.
وأشار إلى أن حق تقرير المصير للمنطقين سبق وتنازلت عنه الحركة الشعبية لتحرير السلام (الأم) خلال مفاوضات نيفاشا واستعاضت عنه بالمشورة الشعبية، وهو ما يشير إلى عدم تمسك الشعبية بالمطلب.
وذكر عباس أن المشهد الحالي تتوفر فيه فرصة تاريخية لكل قوى الكفاح المسلح للاتفاق مع الحكومة الانتقالية على اساسيات القضايا وترحيل القضايا الخلافية إلى المؤتمر الدستوري ليبت فيها.
وأضاف “تقرير المصير موقف تفاوضي تبتقي منه الشعبية تحقيق جزء من أهداف مشروع السودان الجديد لجهة أن تقرير المصير حال الموافقة عليه سينسحب على مناطق أخرى مثل دارفور والشرق وهذا ما يؤدي إلى المساهمة في شد الأطراف، وان لم تطالب به تلك المناطق في الوقت الراهن ستطرحه مستقبلاً في المؤتمر الدستوريط.
وتابع “الأنسب هو الاتفاق على نظام الحكم الذي يفك مركزية السلطة القابضة وتحديد شكل العلاقة مع الدين والهوية، وهذه قضايا تحسم في المؤتمر الدستوري لأن عدم حسمها سيجعلها تتجدد مرة أخرى”.