حُظيت زيارة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، إلى إقليم دارفور، بإرتياح وترحيب واسع محلياً وعالمياً، فالوزير «المدني» التقى بمئات من ضحايا الصراع، الذين طالبوا بتحقيق العدالة السريعة، لتضميد جراح الحروب التي قضت على الأخضر واليابس، خلال عهد النظام البائد بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير.
تطمينات الرئيس
بعث رئيس الوزراء «المدني» عبدالله حمدوك، خلال زيارته التي استغرقت يوماً واحداً، بتأكيدات مفادها أن حكومته تعمل على إحلال السلام في إقليم دارفور، الذي مزقته الحرب لحوالى 20 عاماً، والتي نتج عنها مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين، وما مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إلا نموذج لمناطق أخرى بها مخيمات مترامية الأطراف يعيش بها عشرات الآلاف من النازحين لسنوات.
أقوال تنتظر الأفعال
الأوجاع التي ظلّت ملازمة إنسان دارفور لسنوات، كان لابد لها أن تجد أُذناً صاغية تنفذها لا تسمعها كما العادة قبل ثورة ديسمبر المجيدة، فكان الحشد وكان الهتاف أمام حمدوك، أثناء زيارته لمخيمات الفاشر، حين ظلوا يردون قائلين: «نريد العدالة.. أرسلوا جميع مجرمي دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.. لا عدالة، إذن لا سلام في دارفور»، ليأتي الرد سريعاً وبتأكيدات من رئيس مجلس الوزراء بأن حكومته تعمل من أجل إحلال السلام في دارفور، حين قال: “أعرف مطالبكم حتى قبل أن تقولوها.. نعرف المجازر التي وقعت في دارفور.. سنعمل جميعاً لتحقيق مطالبكم وضمان عودة الحياة الطبيعية إلى دارفور”.
وجاءت مطالبات مواطن دارفور نتاجاً لما ظّل يُمارسه نظام حكومة الإنقاذ البائد برئاسة الرئيس المخلوع عمر البشير، والمُتمثّل في (سياسة الأرض المحروقة) ضد الجماعات العرقية من اغتصاب وقتل ونهب وحرق للقرى، بحسب ما وصفته جماعات حقوق الإنسان، وأكدته الأمم المتحدة، وهو أن النزاع أودى بحياة نحو 300 ألف شخص فيما تم تشريد 2.5 مليون آخرين.
أبعاد زيارة رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك، والتي تُعد أول زيارة له كرئيس للوزراء إلى المنطقة المدمرة، جعلت «دارفور 24» تستنطق خبراء لقراءة الزيارة ومدى جدواها في تضميد جراح اليتامى والأرامل ومن تعرضوا للتعذيب والإغتصاب ونهب الممتلكات وإلى غير ذلك من الإنتهاكات إبان عهد حكومة عمر البشير البائدة، حيث وصف الكاتب والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر، زيادة حمدوك بـ«الإيجابية»، لكونه قابل وبكل بساطة وتواضع المتأثرين من الحروب من نازحين ولاجئين، وهو يرتدي زي عادي أصبح زياً رسمياً للحكومة عند مقابلة ضحايا الاقتتال، وبالتالي فإن ملابس حمدوك، تُشكّل لغة مشتركة بين الراعي والرعية، كما أنّ في ملابسه حِفظ لإنسانية النازحين وحاملي السلاح، ولذلك فإن مثل هذه التصرفات تُعتبر مدخلاً للسلام تستبق المرجعيات الخاصة بالمعسكرات من خدمات وعون إنساني، مع استمرار العملية السلمية، فيما تظل الأسبقية حالياً للمحاكمة.
وقال خاطر، في حديث خصّ به «دارفور24»، إن المؤشرات العامة للزيارة جيّد، إلا أنه لابُد من بذل المزيد من الثقة مع حاملي السلاح لاستكمال السلام في السودان عامة ودارفور خاصة.
مهددات السلام
رأى خاطر، أن مُهددات إستقرار إقليم دارفور تظل ماثلة ما لم يوقع اتفاق شامل للسلام، مع دستور يتسق مع تطلعات النازحين واللاجئين وسكان الأقاليم عامة من خلال فرص التنمية والعدالة مثل المركز.
ولفت إلى أن المهددات ستظل موجودة أمام الحكومة، إلا أن خاطر، جزم بأن الحكومة الإنتقالية جادة في تحقيق السلام، رغم وجود عراقيل حالياً من خلال الموجودين حالياً في السجون من بقايا النظام البائد، لكونهم كانوا شُركاء في الجرائم ضد الإنسانية التي شهدتها دارفور وغيرها من الأقاليم، ويمثلون في ذات الوقت مجتمعات إقتصادية وإجتماعية وثقافية ستعمل على إعاقة عودة السودان ديمقراطياً فيدرالياً، وبالتالي فإن جدية جميع الأطراف ستكون المحك للقضاء على تلك المُهددات.
زيارة مفتاحية مهمة
من جانبه، وصف الخبير الأمني والإستراتيجي الفريق حنفي عبدالله، زيارة رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك، إلى دارفور، بانها زيارة رمزية مهمة جداً، لأن ملف السلام وخاصة النازحين ملف أساسي ضمن التفاوض، لأنهم «النازحين» تضرروا كثيراً من الحرب وفقدوا كافة متطلبات الحياة.
وقال الفريق حنفي، في تصريح خاص لـ«دارفور 24»، إنه كان من الأفضل أن تستبق زيارة حمدوك، إلى دارفور ترتيبات مُعيّنة من خلال مفوضية الشؤون الإنسانية، والوزارات المعنية بالتنسيق مع الولاية، لتكملة هذا النقص، حتى لا تُصبح مجرّد زيارة لتفقد الاحوال، بل لاتخاذ إجراءات واضحة، مع استباق جولة التفاوض بوضع برامج لحل قضاياهم، ومعالجة مشاكل العودة الطوعية، والقرى النموذجية.
البُعد النفسي
لفت الفريق حنفي، إلى أن زيارة حمدوك، إلى معسكرات أبو شوك وزمزم والسلام وكلمة، تُمثّل رمزية لعملية النزوح، إلا أنهُ كان من المُهم بمكان أن يستصحب معهُ الوزراء المختصين، وعموماً فإنها تُمثّل زيارة مفتاحية تعقبها زيارات للمسؤولين، كما أنها تحمل بُعداً نفسياً، وهو ـ بحسب حنفي ـ، المُهم، وذلك بإعطاء تطمينات، وراحة نفسية لقادة المجموعات القبلية الموجودة داخل المعسكرات، لكونه أعلى مسؤول يزور المعسكرات خلافاً لمسؤولي النظام البائد، وهو ما من شأنه إنهاء النزوح الذي أقعد بالبلاد لسنوات.