أكد خبراء اقتصاديون لـ “دارفور 24” عدم توافق سياسات السوق الحر التي تعتزم الحكومة الانتقالية تبنيها، مع العدالة الأجتماعية التي ينتظر ان تسود في السودان، بل “تزيد الغني غناً والفقير فقراً” حسب قولهم.
وتعتبر العدالة الأجتماعية واحدة من أهم شعارات ثورة ديسمبر التى أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، بعدما ازدادت الفوارق الطبقية في المجتمع السوداني نتيجة سياسات النظان السابق الاقتصادية.
مصطلح “السوق الحر” يشير إلى الأسواق المتحررة من تدخلات الحكومات وقيودها وفقا لمفهوم “النيوليبرالية” وهو تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع.
وتسعى “النيوليبرالية” لتحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص، بدعوى أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلاد.
أما مصطلح “العدالة الأجتماعية” قهو نظام أقتصادي وأجتماعى يهدف إلى إزالة الفوارق الكبيرة بين طبقات المجتمع، ويعني باختصار المعاملة العادلة في كل مناحي الحياة بدلاً من حصرها في العدالة القانونية.
وحسب الشعارات التي رفعتها الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق، فإن العدالة الاجتماعية تأتي على رأس أولويات المطالب، بيد ان تصريحات المسؤولين بالحكومة الانتقالية ذهبت في اتجاه تبني سياسة السوق الحر التي تعني رفع الدعم الحكومي عن السلع الاستراتيجية، وفقاً لسياسة بنك النقد الدولي.
وحول ما الذي يتوقع حدوثه حال ذهبت حكومة السودان في تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي وتبني سياسة السوق الحر، مع العلم ان الوثيقة الدستورية نصت على تكوين مفوضية للعدالة الأجتماعية.
ويرى الخبير الأقتصادي، عادل عبدالعزيز، حديثه لـ “دارفور24” ان سياسة السوق الحر هى منتوج للدول الغربية التي تتبنى الاقتصاد الرأسمالى.
وأشار إلى أن قليل من الدول الأكثر نمواً تأثرت بهذا النظام الاقتصادي مثل “ماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورا وهونغ كونغ”.
وتابع “لكن في محيطنا القريب أغلب الاقتصاديات تبنى على “النظام المختلط” الذي يسمح بأن يكون للحكومة دوراً عبر القطاع العام للتدخل فى توجيه الاقتصاد”.
وعزا عادل عبد العزيز انتهاج هذا النظام لعدة أسباب أهمها ان هذه الدول تعاني من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية لا تسمح بتطبيق سياسات السوق الحرة عليها.
وأضاف “خاصة في الدول التى تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والاشكالات الاجتماعية وهذا ما ينطبق علينا نحن نحن السودان”.
سحق الطبقات
وأضاف عبدالعزيز أنه من المستحيل تنفيذ سياسات السوق الحر مطلقاً في السودان، واعتبر تنفيذها سحقاً لطبقات كبيرة من المجتمع وإعادة تقسيم الدخل في البلد لصالح الأغنياء.
وتابع “هذا ينعكس سلباً على مصالح الفقراء مما سيعمل على زيادة أفقية ورأسية في معدل الأغنياء وزيادة أفقية ورأسية في عدد الفقراء”.
وأوضح أن ذلك سيخل بمبدأ العدالة الاجتماعية التى تتطلب من الدولة توفير مقومات الحياة الأولية لغالب شعبها من الزامية ومجانية لكل من “التعليم والصحة والسكن وحق العمل الكريم والرعاية الاجتماعية الشاملة”.
وتابع “هذه الأشياء أصبحت من ضمن مواثيق حقوق الانسان وهي حق للانسان لا يتنازل عنه ولذلك تتم مقاومة اى نظام سياسي او اقتصادي يحاول تطبيقه على الشعوب الفقيرة”.
من جهته قال عضو القطاع الأقتصادي بحزب المؤتمر السوداني، خالد عثمان، لـ “دارفور24” إن سياسات النقد الدولي تؤثر على سياسات العدالة الاجتماعية.
وأوضح أن سياسات صندوق النقد الدولي تهدف إلى إطلاق يد السوق الحر من أجل تحسين الموازنات وإتاحة الأسواق للتجار، وأضاف “في أغلب الأوقات تؤدي سياسات صندوق النقد الدولي إلى إفقار الطبقات الوسطى أو إلغائها تماما في معظم الحالات”.
وزاد “واحدة من عيوب صندوق النقد الدولي هو إغراق الدول النامية في الديون لمصلحة قلة من الأغنياء، ويكون من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة التي نمت وتعيش على ثروات الشعوب”.
وأوضح خالد أن أفضل نموذج هو الديمقراطيات الاشتراكية في العالم الجديد مثل “كندا وأستراليا ودول الاسكندنافيان” التي تحرص خلالها الدولة على حد أدنى من الحياة الكريمة للمواطن.
ونفى خالد عدم توافق السوق الحرةمع العدالة الأجتماعية، قائلاً إن سياسات السوق الحرة هي بنت “النيوليبرالية” أو بالأحرى فكر المحافظين الجدد الذي يرفض تدخل الدولة في الاقتصاد.
وأشار خالد إلى أن ظهور ونشأة هذا الفكر كان بعد سيطرة الدول الغربية على العالم، قائلاً إن هنالك الفكر الليبرالي الذي يؤمن بتدخل الدولة في الاقتصاد.
من جهته يرى المحلل السياسي دكتور حاج حمد محمد، في حديثه لـ “دارفور24” أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للأقتصادي السوداني عند انتهاج سياسات السوق الحرة. وتابع “هذه النظرية جربت في فترة النظام المباد وكانت واحدة من أهم الأسباب للخروج عليه وأسقاطته”.
وأكد أن سياسات الأسواق الحرة لا تصلح في دول العالم الثالث لأنها تعني سوق منفتح يؤسس لخدمة الأغنياء ويلغي الطبقة الوسطى ويزيد معاناة المواطن البسيط.