عاد الحزب الجمهوري السوداني لممارسة نشاطه في الساحة السياسية والفكرية، وسط اقبال بائن من شريحة الشباب على فعالياته وأنشطته، وذلك بعد أكثر من ثلاثون عاماً من الحظر.

ويعد الحزب الذي أسسه المفكر محمود محمد طه في اربعينات القرن الماضي عدواً لدوداً لجماعة الاخوان المسلمين، ويعتبرها الأكثر خطورة على الاسلام لأنها تستغل الدين لأغراض دنيوية.

ورغم أن الحزب منذ تأسيسه ظل مناهضاً لكل أشكال الظلم والقهر بدءاً بالاستعمار مروراً بالأنظمة العسكرية الديكتاتورية، إلا أن مناهضته الأشد كانت لتنظيم الإخوان المسلمين الذين كان يطلق عليهم اسم جماعة “الهوس الديني”.

وفي 18 يناير 1885 قررت حكومة جعفر محمد نميري، التي يشارك فيها الاخوان المسلمين بزعامة حسن الترابي، اعدام محمود محمد طه بعد أن اتهمته بالردة عن الدين الاسلامي نتيجة مناهضته لما عرف بقوانين “الشريعة الاسلامية”، كما تم حظر نشاط حزبه.

ونصت قوانين “سبتمبر 1983” على العقوبات الحدية وبدأ تطبيقها فعلياً حيث قطعت أيدي شباب تمت ادانتهم بالسرقة، كما أخضعت القوانين جنوب السودان ذو الأغلبية غير المسلمة إلى حكمها. لكن زعيم الجمهورين اعتبر القوانين مخالفة للشريعة الاسلامية، ومخالفة للدين، كما شوهت الإسلام وأساءت إلى سمعة السودان، وهددت وحدته الوطنية.

وبعد تنفيذ الاعدام على طه أبطلت المحكمة الدستورية في العام 1986 الحكم بحق زعيم الجمهوريين واعتبرته اغتيالاً بعد ان تقدمت ابنته “اسماء” بطعن دستوري ضد الحكم.

لكن بعد انقلاب الانقاذ على حكومة الديمقراطية في يونيو 1989 تم حظر نشاط الحزب الجمهوري، وغادرت أغلب كوادره السودان وتوزعت في المنافي، بيد أنها بدأت رحلت العودة بعد سقوط النظام السابق بواسطة ثورة شعبية انحاز إليها الجيش في 11 أبريل الماضي.

وفي هذه الأيام بدأ الحزب الجمهوري ممارسة نشاطه علناً حيث أقام أول ندوة جماهيرية مساء الجمعة في ميدان محمود محمد طه، بمدينة ام درمان، كما تم عرض كتب ومنشورات مؤسسه، لأول مرة في معرض الخرطوم الدولي للكتاب.

وشن القيادي بالحزب الجمهوري، مصطفى دالي، خلال حديثه في الندوة التي حملت عنوان “الاصلاح الديني” هجوماً عنيفاً على جماعة الإخوان المسلمين، واصفاً ما يقومون به بالشوشرة والهرطقة حول الفكرة الجمهورية.

ويعد “مصطفى دالي” الذي تتلمذ على يد محمود محمد طه، أحد أبرز الجمهوريين الذين ناهضوا من أجل الفكرة الجمهورية من خلال المنابر المفتوحة.

وقال دالي إن الفكرة الجمهورية هي في الأصل دعوة للسلام والعدالة والحرية، وهي المعاني التي يدعو لها الاسلام، موضحاً أن الفهم السلفي للدين لن يجلب سلاماً في الأرض، مستدلاً بالحرب التي شنها نظام البشير في جنوب السودان والتي كانت تحمل شعارات حماية الدين، مع ان أصل القضية لا علاقة لها بالدين.

وأضاف “إن لم يتم نشر الاسلام الصحيح ونستخرج منه فهم التسامح في المجتمع سنترك المجال للمهوسين ليستمروا في التجارة بالدين وعندها لن تتحقق شعارات الثورة المختصرة في الحرية والسلام والعدالة”.

وأرجع دالي الهجوم الذي يتعرض له الفكر الجمهوري ممن اسماهم بالمهوسين إلى السلمية والتسامح التي يتميز بها الجمهوريون الذين يرفضون استخدام اي وسيلة للعنف في حسم الخلافات.

وقال إن أسلوب السلمية الذي يدعوا له الجمهوريين يجرد الخصوم من استخدام أدوات العنف، كما انه مستمد من الدين الاسلامي “ذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر”. وأشار إلى أن الجمهوريون يدعون إلى إقامة مجتمع ديمقراطي اشتراكي يقوم العدالة والمساواة الاجتماعية.

وانتقد دالي الدعاة المتشددين أمثال عبد الحي يوسف، ومهران ماهر، واصفاً الهجوم الذي ظلوا يشنونه على الجمهوريين من خلال منابر مساجدهم بـ “التهريج” وانهما يتقولون الأقاويل عليه الفكر الجمهوري.

وتابع “30 عاماً ظل النظام السابق يمارس الغش والتدليس والخيانة ويقتل الناس وكلها أفعال مخالفة للدين ومع ذلك لم يتحدث عبد الحي والآن اصبح لديهم مشكلة الحزب الجمهوري”.

وأوضح دالي أن سر الهجوم الذي يتعرض له الجمهوريون من قبل الاخوان المسلمين بسبب أن الفكرة الجمهورية تقطع الطريق على تجار الدين الذين اتخذوا لأنفسهم وظيفة اسمها “رجل دين”.

وأضاف “لا يوجد رجل دين في الاسلام وإنما كل شخص هو رجل دين وإمراءة دين، وهذا ما يجعل تجار الدين يشنون علينا الهجوم”.

تصدي للمتطرفين

ويقول الصحفي علاء الدين بشير، وهو من المقربين للجمهوريين، إن هنالك عدد من الجمهوريين سيقومون خلال الفترة المقبلة بالعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تجاه الفكرة الجمهورية.

كما يتم التصدي لمحاولات الجماعات المتشددة المتمثلة في تغبيش الوعي ودغدغة المشاعر الدينية بطريقة ساذجة والتخويف بالتكفير الذي يمارسه الإخواني عبد الحي يوسف.

وأشار علاء الدين في حديثه لـ “دارفور 24” إن محاولات التكفير التي يمارسها المتطرفين يهرب منها العلمانيين لكن الجمهوريين يتصدون لها.

وأضاف “لذلك الآن الإخوان المسلمين مذعورين من نشاط الجمهورين ويحاولون دق آسفين بين الجمهورين والمجتمع السوداني من خلال نشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة عبر منابر المساجد”.

وأوضح أن الوضع يحتاج لاتاحة المنابر الحرة والفرص المتساوية في وسائل الاعلام المختلفة للجميع وكل يعرض فكره ويترك الشعب ليقرر أين الصحيح والخطأ.

وذكر أن الإخوان المسلمين ظلوا يقومون بنشر الأكاذيب ولكن وجود بيئة حرة صالحة للحوار سيتلاشون تلقائياً، مضيفاً “مثلما قال الأستاذ أزرعهم في تربة الحوار وهم سيمتون طبيعياً لأن أفكارهم غير قابلة للصمود”.

وأشار علاء الدين بشير إلى أن الإخوان المسلمين في السابق كانوا محمين بالسلطة يستخدمونها في قمع الآخرين وإرهابهم لكن الآن بفضل الحريات والتطور لا يستطيعون ان يقارعوا بالحجة.

وأكد أن الحياة بتطورها الطبيعي ومن دون الفكر الجمهوري ارتفعت فوق أفكار الإخوان المسلمين، التي تجاوزها الزمن، مردفاً “الآن محتاجة حبة توعية لكن بطبيعة الحال الناس تجاوزت أفكار أمثال عبد الحي”.

وتابع “تجربة الإخوان المسلمين خلال 30 سنة هزمت أفكارهم بالتجربة العملية، حيث أورثت الفقر المادي والفكري والأخلاقي، وليس لهم تأهيل أخلاقي فهم يتحدثون عن الدينا ومصالحهم المادية، ولا يتحدثون عن قيمة اخلاقية ودينية”.

وأوضح أن الشعب السوداني ينظر إلى عبد الحي وأمثاله كشخص مستفيد من النظام السابق ويدافع عن ما فقده من تلك المصالح اوشك على فقدانه، مردفاً “وهذا ما وصل أليه الناس بالتجربة بالوعي”.

إلى ذلك يشهد جناح كتب محمود محمد طه، بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، اقبالاً كبيراً من الجمهور لشراء المؤلفات التي كانت محظورة لنحو 30 عاماً خلال عهد النظام السابق.

وقال محمود الأمين عبد الغفار، المشرف على المعرض وهو عضو في الحزب الجمهوري، لـ “دارفور 24” إن المعرض يعد الأول من نوعه في ظل الوضع الجديد بالسودان.

وأكد أن المعرض يشهد اقبالاً كبيراً من الجمهور أغلبهم من فئة الشباب، حيث يبعون في اليوم الواحد أكثر من ألف كتاب. وقال إن أكثر الكتب مبيعاً هي “الرسالة الثانية من الاسلام، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية”، كما يتزايد الطلب على كتاب “الاسلام برسالته الأولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين”.

وأضاف “البعض يأخذ من الكتاب الواحد اربع نسخ.. الأسعار زهيدة جداً بما يوازي ثمن الطباعة فقط، هي ليست ربحية”.

وأشار إلى أن الكثير من الذين يحضرون إلى المعرض كان دافعهم التحقق من الاتهامات التي وجهها بعض المتشددين والمتطرفين من أمثال عبد الحي يوسف، ومهران ماهر، لزعيم الجمهوريين.

وتابع “الآن ولى عهد الخوف من المعرفة ونحن في عهد النقاش والبقاء للأصلح.. نحن مستعدون لأي حوار فكري مع الجماعات المتطرفة والمتشددة اذا واتتها الشجاعة لمواجهتنا، لقد انتهت فترة الانقياد الأعمى”.