بدأ السلام الشامل يدق أبواب السودان بشدة وفقاً لظهور ملامح تسوية سياسية من شأنها ان تُسكت البندقية الى الأبد، وذلك بعد سنوات من الحروب الأهلية الطاحنة التي أفقرت هذا البلد وجعلت أغلب سكانه يعيشون تحت خط الفقر.
وانفتحت الأبواب أمام هذه التسوية في أعقاب سقوط نظام الدكتاتور الوحشي عمر البشير نتيجة ثورة شعبية عارمة في 11 أبريل الماضي بعد انحياز الجيش للمحتجين الذين اعتصموا امام قيادته العامة بالعاصمة الخرطوم.
ودخلت إجراءات السلام حيز التطبيق بعد تشكيل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حكومته الانتقالية التي مدتها 3 سنوات ونصف السنة، سيتم تخصيص فترة الـ 6 شهور الأولى منها إلى تحقيق السلام من خلال التفاوض مع القوى المسلحة في مناطق النازعات.
ووقعت الحكومة الانتقالية يوم الاربعاء 11 سبتمبر الجاري، اتفاق “اجراءات بناء الثقة والتمهيد للتفاوض” مع تحالف الجبهة الثورية الذي يضم نحو عدة فصائل مسلحة تقاتل في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
كما وقعت الحكومة اتفاق “اعلان مبادئ مع الحركة الشعبية قطاع الشمال قطاع الشماع، بقيادة عبدالعزيز الحلو، وهي اكبر فصيل مسلح يسيطر على مناطق واسعة بجنوب كردفان والنيل الأزرق منذ اندلاع الحرب بها في العام 2012.
الإتفاقيتان التي تم توقيعهما بعد يومين فقط من بدء المحادثات بعاصمة جنوب السودان جوبا تضمنتا اجراءات لبناء الثقة بين الاطراف السودانية، مثل اطلاق سراح اسرى الحرب بطرف الحكومة واسقاط الاحكام الغيابية والحظر التي فرضها نظام الجنرال المعزول عمر البشير على بعض قادة الفصائل المسلحة، وفتح الممرات الانسانية لاغاثة المتاثرين بالحرب.
كما نصتا على تأجيل تشكيل المجلس التشريعي (المستوى الثالث المكمل لهياكل الحكومة الانتقالية) حيث جرى تكوين مجلسي السيادة والوزراء، الى حين الوصول الى اتفاق ليتسنى مشاركة الحركات المسلحة في السلطة الانتقالية.
تفاؤل
يقول عضو مجلس السيادة والمتحدث باسمه، محمد الفكي سليمان، لـ “دارفور 24” إن السلام بات قريباً وان الأطراف التي وقعت الاتفاق في جوبا في قمة التفاؤل بتحقيق السلام العادل الشامل.
وأوضح ان المحادثات المستمرة بين وفد مجلس السيادة والحركات المسلحة تتناول الإجراءات المتعلقة ببناء الثقة بين الطرفين وتهيئة ظروف التفاوض.
وأضاف “سنتفق على الموعد لانطلاقة المفاوضات بشكل رسمي كذلك سنتفق على المكان وأطراف التفاوض والوسطاء على المستوى الاقليمي والعالمي.
وحسب وثائق الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير – أحزاب الثورة الشعبية – والمجلس العسكري، التي تشكلت بموجبها الحكومة الانتقالية فانه ينتظر ان يتم التوصل لاتفاق سلام شامل يقود لإشراك قادة الحركات المسلحة في الحكومة الانتقالية.
وبالرغم من تشكيل مجلسي السيادة والوزراء بدون مشاركة هذه الحركات إلا أن المجلس التشريعي لم يتشكل بعد وتم تخصيص نحو ٣٣٪ منه للحركات المسلحة ومكونات أخرى.
جذور الأزمة
يقول عضو وفد الجبهة الثورية في محادثات جوبا، صديق بنقو، لـ “دارفور 24” إن رفاقه متفاؤلون بالتوصل إلى سلام عادل وشامل مع الحكومة الانتقالية في الخرطوم.
وأضاف “الأوضاع جيدة الآن ونحن متفاؤلون بحدوث اختراقات تصب في مصلحة وقف الحرب ومخاطبة جذور الأزمة وتحقيق سلام شامل عادل يُسكت البندقية للأبد”.
وأكد بنقو أن أهم القضايا التي يردون معالجتها من خلال التفاوض من شأنها أن تنهي الصراع للأبد، وهي قضايا النازحين واللاجئين ونزع السلاح من المليشيات غير النظامية وتحقيق العدالة في التنمية والمشاركة في السلطة.
ويعد اقليم دارفور ـ غرب السودان ـ أحد أكثر مناطق النزاع تأثراً بالحروب حيث يعيش ما يقارب 6 مليون شخص مشردون في معسكرات النزوح داخل البلاد وخارجها.
وكانت قوات البشير الأمنية والمليشيات العرقية المتحالفة معها قد شنت هجمات دامية على مناطق السكان التي ينحدر منها قادة التمرد، مما أدى إلى حرق القرى وتهجير سكانها قسريا الي معسكرات النزوح واللجوء.
وبسبب الانتهاكات التي وقعت في مناطق الحرب ظل البشير واثنين من قادة نظامه “أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين” إضافة إلى قائد مليشيا عرقية “علي كوشيب” مطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وتعد هذه القضايا وأحدة من أبرز التحديات التي تواجه المتفاوضون ـ من الحكومة والحركات المسلحة ـ وتنتظر ايجاد حلول مناسبة وجذرية لها.
قضايا النازحين واللاجئين
الدكتور عباس التجاني، الخبير المهتم بشأن النزاعات الأهلية بالسودان، نبه في قوله لـ “دارفور 24” إلى ضرورة أن تخاطب الاتفاقيات المقبلة القضايا الحساسة مثل “قضايا اللاجئين، النازحين والترتيبات الأمنية”، لأنه إن لم تعالج هذه القضايا بشكل علمي ومنهجي، نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من الأساليب، سيظل النزاع مستمراً في السودان.
وقال إن القاسم المشترك بين قضايا الحرب والسلام في السودان هو كيف يحكم السودان، والإجابة على الأسئلة الصعبة المتعلقة بقضية الهوية، والاستعلاء العرقي والثقافي، وتغيير النمط الاقتصادي التقليدي، من خلال تغيير علاقات الانتاج التي تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وتوقع التجاني أن تخاطب الاتفاقيات القادمة جذور الأزمات السودانية، التي ينبغي ان تتضمن في الوثيقة الدستورية، بجانب تضمين آليات تحمي الاتفاقيات من الانهيار.
وأضاف “لأن السودان يمر بمرحلة سياسية حرجة لا تقبل المزايدات السياسية، وحتى تجاوب الاتفاقيات على السؤال الحرج المتعلق بالهوية وطريقة حكم السودان التي تمنع قيام الحرب في اي جزء من اجزاء السودان”.
وأوضح التجاني أن منع وقوع الحرب مستقبلاً يتطلب تطوير دستور دائم للبلاد مع تكوين مؤسسات دستورية تحمي الشعوب السودانية من الظلم، التهميش، وتمنحهم الفرص المتساوية في الخدمات، والحق في الحياة.
وتابع “من المهم ان تعمل الاتفاقيات على إعادة هيكلة المؤسسات القومية، على سبيل المثال، المؤسسات العسكرية والأمنية، حتى يتم إدماج القوات من فصائل الكفاح المسلح في هذه المؤسسات، وتقيد هذه المؤسسات بالدستور، لضمان عدم عودتها إلى الحرب مرة أخرى.
وأوضح أن لدى السودانيين فرصة تاريخية لصناعة دولة مستقرة بعد ايقاف الحرب إلى الأبد، داعياً الفاعلين السياسيين إلى الابتعاد عن الكيد، والمصالح الحزبية الضيقة. مردفا “هناك فرص كبيرة لتحقيق مصالح الفئات السودانية المختلفة من خلال الانتقال السلمي والعمل على إدارة التنوع في السودان”.
ودعا التجاني اللاعبين السياسيين في المشهد السوداني لوضع الحراك الثوري في الاعتبار عند توقيع الاتفاقيات المنتظرة، وزاد “يجب ان تتضمن الاتفاقيات آليات لإدارة التغيير لصياغة عقد اجتماعي وسياسي في السودان حتى نمتع الحرب في المستقبل”.