في 22 يوليو 2019 أصدر الاتحاد الأوروبي تصريحا مفاده تعليق التعاون مع الحكومة السودانية حول برامج مكافحة الهجرة غير الشرعية التي جاءت نتاج ما عرف باتفاقية الخرطوم في 2016 ، حيث يأتي تمويل المشروع من صندوق المبادرات الأوروبي الذي يهدف إلى إجراء تدابير في إفريقيا للسيطرة على الهجرة غير الشرعية وأسبابها الجذرية بتمويل قدره 4.5 مليار يورو ما يعادل 5 مليار دولار أمريكي ساهمت فيها ألمانيا الإتحادية بنصيب بلغ 1.6 مليون يورو ، وفقا لبيان الإتحاد الأوروبي ووفقا للإتفاقية فألمانيا كانت تقوم بدور تدريب ومنح معدات للدعم السريع وقوات الشرطة ” توقف في مارس 2019 ” و بالرغم من أن المانيا قامت بذلك تحت مظلة الاتحاد الاوروبي إلا أنها تعرف بعلاقتها الداعمة مع نظام البشير حيث ظلت إحدى الفاعلين في الضغط من أجل التسوية السياسية التي عرفت سياسيا واعلاميا بالهبوط الناعم بل إنها كانت احدى الدول التي أعلنت في يناير 2019 بأنها على إستعداد لمساعدة البشير ماديا لكنها تراجعت تراجعا أرجح لأسباب سياسية ليأتي إعتذارها بأن أحد أهم هذه الشروط هو معرفتها بأوجه الصرف لما قد تمنح ، ووفقا للإتفاق في يونيو 2018 تم إنشاء مركز نسق الإستخباراتي بالخرطوم الذي يمثل فيه ممثلو تسع دول مرتبطة بالهجرة غير الشرعية إلا أنه تم تعليق نشاطه في يونيو 2019 ونقل بعض موظفيه إلى نيروبي و تجدر الاشارة الي أن المركز لم يعلن عنه بشكل رسمي من قبل .
ولا تزال السرية تضرب على المبلغ الذي خصص للمشروع في السودان وبنود صرفه فبالإضافة للدور المرتبط بحراسة الحدود كان من المخطط إنشاء مشاريع رفع قدرات اللاجئين في بعض المناطق كمدينة كسلا بشرق السودان حيث لا توجد معلومات عنها و لا إشارات في أرض الواقع .
تصريح الإتحاد الأوروبي بتعليق التعاون كنتيجة التخوف من تحويل الموارد الخاصة بالمشروع للإستفادة منها في قمع المدنيين ” خلاصة البيان ” إلا أنه في تقديري سبب جاء متأخرا فنظام البشير لم يكن سجله يخفي عندما تم إبرام المشروع وكذلك ماهية القوات التي كلفت بالأمر ” الدعم السريع ” هذا بالإضافة إلى علم الاتحاد الاروبي بغياب الشفافية المالية لنظام الخرطوم .
في تقديري أن تعليق المشروع و ما صاحبه يتطلب من الحكومة السودانية الجديدة أن تطالب بإجراء تحقيق شفاف و نزيه لمعرفة ما حدث ، وأن يستند ذلك التحقيق على تعاون الاتحاد الأوروبي ، في تقديري؛ و ليس إستباقا للأحداث لكن قد يتطلب الأمر مطالبة الاتحاد الأوروبي بالاعتذار السياسي عن تعاونه بما يخالف الأعراف الدولية في التعاون في مجال القضايا التي تخص الهجرة غير الشرعية مع نظام ظلت تعرف كل سجله المرتبط بالانتهاكات و الفساد المالي .
وحتى لا نسقط في وحل النقد دون اقتراح لما بعد ، فالواقع يشير وبعيدا عن الاتفاقية إلى ثمة حقائق وهي أن السودان تاريخيا ظل يمثل معابر للاجئين او المهاجرين غير الشرعيين و هنا يتطلب الامر الاستفادة من المركز الاستخباراتي الذي تم إنشائه ومن ثم تحويله إلى مركز بحثي مرتبط بدراسات الهجرة غير الشرعية والسياسات المناهضة او المعالجة لها كمركز إقليمي على مستوى القارة أو تحويله إلى مركز أكاديمي يضاف الى احدى الجامعات السودانية وذلك لارتباط الأمر بالتحولات الديمقراطية و الفساد والحكم الراشد وعدم الاستقرار في كثير من البلدان التي يوفد منها المهاجرين وطالبي اللجوء ، الأمر الثاني بدلا من الصرف الأمني بناء على ما سبق تجدر الاستفادة من الأمر في التفكير الخلاق المرتبط بالتعامل مع الظاهرة عبر مناهج قانونية مرتبطة بمواثيق حقوق اللاجئين و الحقوق و المساعدات التي تحول بين تحوّل اللاجئين إلى مهاجرين غير شرعيين ففي مثال الحالة السورية في بعض البلدان تخصص لهم مساعدات مالية تصل الي 500 دولار شهريا للاسرة عبر وكالات الأمم المتحدة المعنية ، فما بالنا والسودان يستضيف لاجئين من دول إريتريا وإثيوبيا وتشاد و جنوب السودان اليس في التنازل عن المطالبة بذلك حرمان لحقوقهم و حرمان الدولة من الاستفادة من الموارد المرتبطة بتلك المساعدات في دورة الاقتصاد الوطني ، كما يجدر النظر الي الامر من زاوية تعديل قوانيين اللجوء والاستثمار الوطنية لاتاحة فرص العمل للاجئين بصور قانونية وشروط تراعي المصالح المرتبطة بالدولة المستضيفة وبالمستفيدين فاقتصاد الازمات و النظر اليها من زاوية مشتركة مرتبطة بالاقتصاد والالتزام بالمواثيق الدولية امر قد يكون له جدواه .