التحية لأهلنا في فاشر السلطان
نشكرهم على حفاوة الاستقبال وجزيل كرمهم، ونتأسف لهم على عدم قدرتنا على مخاطبتهم والتواصل معهم بالصورة المطلوبة والجيدة، وسنواصل اللقاءات والنقاشات مع أهلنا في الفاشر وفي دارفور وفي كل ربوع السودان ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. الرحمة والخلود لشهداء الثورة السودانية
والرحمة والخلود لأكثر من ٣٠٠ الف مواطن سوداني من شهداء ضحايا الإبادة الجماعية في دارفور، والتحية والانحناء لملايين المواطنين السودانيين النازحين واللاجئين والذين يستحقون العيش بكرامة، والمساواة مع كافة المواطنين السودانيين في كافة الحقوق والواجبات.
ما حدث بالأمس في الفاشر وقبل بداية ندوة قوى الحرية والتغيير المنظمة بواسطة قوى الحرية والتغيير بولاية شمال دارفور أمر مؤسف، شاهدنا بعضاً من شباب الجبهة الثورية الغاضبين والذين نعرفهم وهم في قيادة المجموعة التي وقفت أمامنا ومنعتنا من الصعود للمنصة، طلبنا منهم أن يسمعوا منا ونسمع منهم عبر الحوار وتبادل الرأي ولكنهم رفضوا، نحن قررنا الانسحاب تجنبا لأي اشتباك أو عنف، وليس صحيحا حدوث أي اشتباك أو عنف من أي طرف داخل مكان الندوة، ولكن يبدو وكما هو متوقع أن جهات استغلت الموقف فقذفت بالحجارة عربة أ.بحر التي أقلتني من مكان الندوة وهشمت جميع نوافذها كما تم تدمير عربة أ.سالم وهم من زملاءنا في قوى الحرية والتغيير بشمال دارفور.
ماحدث لا يعبر بأي حال من الأحوال عن أهل الفاشر الذين احتشدوا في ساحة الندوة والذين نكرر أسفنا لهم، ولكنه بالتأكيد مؤشر مهم لعمق وتجذر واحدة من أهم أزمات السودان أزمة الحرب والسلام، وأبعادها المرتبطة بالخلفيات الاجتماعية والمظالم التاريخية المعقدة.
الحرية هي أولى شعارات الثورة وتعني احترام الرأي والرأي الآخر، والدفاع عن حق الآخر في التعبير عن نفسه كيفما يشاء بحدود لا يتم فيها التعدي على الآخرين.
بعد ٣٠ عاما من الاستقطاب الحاد وخطاب الحرب المتفشي والذي اختلط تماما بالخلفية والبعد الاثني وأخذ جوانبا وأبعادا عنصرية فإن ما حدث ليس مستغربا تماما بل متوقع وهو جزء من الفضاء الحر والجديد، الرأي والهتاف المضاد، ومفهوم أن جهات عديدة تريد أن تحافظ على نفوذها، ولكن غير المفهوم هو قيامها فعليا خلال اليومين الماضيين بالتعبئة ضد الزيارة باعتبارنا أعداء لها، أو كأننا في حملة انتخابية.
الهتافات التي رفعت من شاكلة وينو السلام وينو، هتافات حقيقية نعمل جاهدين وسنظل من أجل تحقيقها وهي الآن بيد السلطة الانتقالية المدنية بمجلس سيادتها ورئيس وزرائها د.حمدوك وما حققته قوى الحرية والتغيير (على الرغم من فشلها في جوانب عديدة) هو أنها رفعت السلام كأول مهمة من مهام إعلان الحرية والتغيير ومن ثم ضمنت ذلك في الوثيقة الدستورية وأجرت في سبيل الإسراع بتحقيق السلام محادثات مطولة مع الجبهة الثورية في أديس أبابا والقاهرة أفضت إلى تضمين باب كامل حول قضايا السلام وإجراءاته العاجلة في الإعلان الدستوري.
وينو السلام .. يجب أن نعمل جميعا على تحويل قضية الحرب والسلام وما يرتبط بها إلى قضايا جماهيرية تسير في سبيلها المواكب وتكتب الجداول وتتحرك القوافل العكسية من الخرطوم والولايات إلى كافة المناطق المتأثرة بالحرب، قوافل محملة بالحب والسلام والاعتذار بدلا عن الموت والرصاص الذي كان يرسله النظام البائد وتلك “ثورة أيضا”، أن نضغط على السلطة الانتقالية التي لم تشكل بعد! من أجل تحقيقه خلال أول ٦ أشهر من عمرها، ويجب أن يكون سلاما شاملا وعادلا يضم كافة حركات الكفاح المسلح وليس الجبهة الثورية وحدها، ويخاطب فعليا وعمليا القضايا الجوهرية للحرب والسلام وليس قسمة السلطة فحسب.
وأن يضغط كل المجتمع كذلك على حركات الكفاح المسلح لإسراع دخولها في التفاوض، وأن نراقب جميعا تنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع حتى لا تصبح أبوجا أو دوحة أخرى.
لسنا في عداء مع رفاقنا في الجبهة الثورية ولن نكون، نحترم نضالاتهم التي فتحت الطريق لثورة ديسمبر ونقدرها، فهم الحاملين لقضايا أهلهم والمتغربين في سبيل تحقيقها عشرات السنين، القضايا التي أصبحت اليوم وبفضل نضالاتهم جزءا أصيلا من قضايا الشعب السوداني وفي مقدمة أولوياته، السلام قضية شخصية كما يجب أن يكون لجميع السودانيين.
الخطاب العدائي ضد الجبهة الثورية أو أي مكون من مكونات الثورة مرفوض ولا يفيد في شيء بل يزيد من التعقيد، وعلينا أن نتعلم معا كيف نحترم اختلافاتنا، وكيف ندير خلافاتنا بصورة سلمية وحضارية، أن نرفض العنصرية والعنصرية المضادة ونحاصرها، أن نتعلم معا كيف نستفيد من الحرية في رتق نسيجنا الاجتماعي وفي معرفة بعضنا البعض كسودانيين من جديد وربما لأول مرة منذ الاستقلال، وأن نعلم أن النظام وخلال ثلاثة عقود زاد بيننا الحواجز وصنع الخرافات لتقسيمنا ولهدم نسيجنا الاجتماعي ليستفيد من ضعفنا ويحكم وحده، بمبدأ أن فرق لكي تسد.
يجب ألا نغفل في أي لحظة من لحظات المسير أن العدو هو ذلك الذي سرق من السودان ٣ عقود من عمره والملايين من أبناءه قتلا وتهجيراً، وأنه سيظل يتمسك بمصالحه لآخر لحظة، وسيحاول دائما وأبدا العودة وبكافة السبل.
كما علينا ألا نمنح أي استثناء أو فرصة أخرى يمكن أن تبرر للديكتاتورية العسكرية أو المدنية العودة والتحكم في مصائرنا من جديد.
النصف المليء من الكوب هو زيادة الأمل المتعاظم بثورة حقيقية ومفاهيمية شاملة تعيد التأسيس وتحقق الشعار.
.. الشعب يريد بناء سودان جديد..
(ونظل نؤمن بقدرة الشعب السوداني على تحقيق ثورة شاملة تزيل الكثير من الخطايا التي تقبع في متاهات عقولنا ومجتمعنا، ثورة نؤمن فيها بأن الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية هي السبيل الوحيد لأمة متقدمة، ثورة تساوي بين جميع أبناء الوطن، ثورة لا تعفو عن من أخطأ بل تحاسبه بكل عدل وأمانة)
فلنجعل ضِرام الثورة مُتّقد دائما
حرية .. سلام .. عدالة