“أتني” ملتقى للمثقفين السودانيين بالعاصمة الخرطوم كان ضاجا بالحياة والأمل والحب والإنسانية التي يبعثها فيه رواده الذين يتجمعون فيه كل يوم، لكنه تحول فجأة وأصبح ثكنة عسكرية لقوات الدعم السريع، تخيم فيه بمدرعاتها وأسلحتها المرعبة.
وتداولت موقع التواصل الاجتماعي رغم قطع خدمة الإنترنت صوراً للقوات الدعم السريع في منطقة “أتني” مصحوبة بتعليقات الناشطين التي تعبر عن مدى الحزن والأسى على ما اعتبروه إحتلال جزاري الإنسانية لمنطقة تصنع فيها كل قيم الإنسانية.
وظل المثقفون السودانيون يلتقون بصورة عفوية شبه يوميه في سوق “أتني” الذي يقع في قلب العاصمة السودانية الخرطوم على شارع الجمهورية ب “السوق العربي” وبعد تاريخ الثالث من يونيو/ حزيران الماضي توقفوا مجبرين عن الحضور إلى المكان.
كان الإثنين الثالث من يونيو يوما داميا ومرعبا للسودانيين، وذلك بعد داهمت قوة عسكرية شكلها المجلس العسكري الانتقالي مقر الاعتصام خارج القيادة العامة للجيش، وفضت المحتجين بالقوة المفرطة مما خلف أكثر من مائة قتيل وعشرات المفقودين ومئات الجرحى.
وبعد فض الاعتصام انتشرت القوات العسكرية بكثافة في شوارع العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، خصوصاً قوات الدعم السريع التي تفتقر لانضباط القوات النظامية كالجيش والشرطة.
وتعتبر منطقة “أتني” أشهر مكان لتجمُع المثقفين السودانيين من مختلف مشاربهم من موسيقيين ونحاتين ورسامين وكُتاب وصحافيين وناشطين في العمل الطوعي والإنساني، وبتلك اللقاءات يتحول المكان إلى ساحة للتثاقف وتبادل الأفكار بين رواده المعرفة وكل جديد في كل مناحي الحياة.
يقول محمد عثمان، وهو أحد الناشطين من رواد “أتني” “كنت خارج السودان منذ 2013 جئت عيد الفطر الماضي بعد أنتصار ثورة ديسمبر المسروقة، وساقني الحنين لقهاوي “أتني” مستصحبا معي ذكريات جميلة مثل معرض مفروش للكتب، والصوالين الأدبية والثقافية والشعرية، ولكن حينما وصلت وجدت قوات الدعم السريع تحيط بالمكان وحزن يخيم عليه كأنما أصابه ما أصاب ساحة الاعتصام”.
وتابع “يجب تغيير الوضع وتفكيك الدعم السريع وإعادة أتني لسيرتها الأولى منبراً للوعي وتبادل الأفكار ومنبع الإبداع”.
ورصدت “دارفور 24” أنتشار قوات الدعم السريع في سوق “أتني” بمدرعاتها العسكرية واسلحتها المتطورة المرعبة للمواطنين، بينما خلا المكان من رواده السابقين.
وقال أحد الناشطين وهو من رواد “أتني” إن المثقفين توقفوا عن ارتياد المكان بعد احتلاله بواسطة قوات الدعم السريع، مشيراً إلى تخوف المجلس العسكري من التجمعات التي قد يستغلها الشباب للخروج في تظاهرات ضد العسكر.
وأضاف “هذا يؤكد أن المجلس العسكري يخش من قوة المجتمع المدججة بسلميتها ووعيها بما خرج من أجله”.
وذكر أن سياسات التسلط والإرهاب التي يقوم بها المجلس العسكري لن تزيدهم إلا قوة وعزيمة لتحقيق كل مطالب الثورة وأرجاع “قهاوي أتني” منبراً للوعي وتبادل الأفكار ومنبع الإبداع.