مسار الثورة الآن يسبح في بحر من المتناقضات تحيط به من كل جانب .. عبورها ممكن وأكيد ولو بعد حين ولكنه ليس سهلاً وميسوراً ورهن يد الإجابات المباشرة التي لا تحتمل سوى الأبيض أو الأسود. ما أعلمه يقيناً بأن قوى إعلان الحرية والتغيير موحدة تماماً حول الهدف النهائي وحول الطريق لبلوغ هذا الهدف وهو إكمال مهام الثورة عبر انتقال السلطة لمدنيين ينفذون ما تم التواثق عليه في إعلان الحرية والتغيير. هذا الطريق ليس مستوياً وممهداً بل هو مليء بجبال من التحديات والمخاطر .. ربما يرى البعض بأن الحل هو أن تمضي في خط مستقيم متجاهلاً هذه الجبال ويرى البعض الآخر أن الخط المستقيم سيقودك لأن تصطدم بالجبل لا غير ومن الأفضل أن تصعده أو تتفاداه دون أن يزوغ بصرك من الهدف أو من طريقه وفي كل رأي محترم ومقدر بكل تأكيد … هذه المقدمة أقولها قبل أن الخص ما افهمه واعلمه من موقف مشترك لقوى الحرية والتغيير وبكل تأكيد من الطبيعي أن تختلف التقديرات حول هذه المواقف ولكن النقاش ووضع الحجج هو الوسيلة الأنجح للوصول لأفضل النتائج.
١- لا جدال ولا خلاف بأن المجلس العسكري يسعى لتعزيز سلطة الإنقلاب بوسائل شتى ابتدأها بتطويل أمد التفاوض وانتهاها بمجزرة القيادة العامة التي اعقبها باستخدام تكتيك واضح ومكشوف وهو التعتيم الإعلامي وقطع الانترنت وبث الشائعات والأكاذيب حول قوى الحرية والتغيير لتكسير وحدة السودانيين/ات وتسهيل الإنقضاض عليهم، هذا التكتيك تقاومه قوى الحرية والتغيير بصعوبة بالغة عبر منافذ محدودة كاللقاءات الجماهيرية المفتوحة وبعض القنوات والإذاعات ووصول محدود للانترنت وبيانات ومنشورات توزع في أرجاء البلاد.
٢- بعد مجزرة القيادة العامة صار الصراع مع المجلس العسكري أكثر تعقيداً من ذي قبل وتداخلت فيه عوامل عديدة ورأت قوى الحرية والتغيير أن تخوض المعركة في أربعة جبهات .. جبهة المقاومة السلمية الجماهيرية عبر العصيان والإضراب والتظاهرات الليلية وكل أشكال المقاومة السلمية الممكنة … جبهة العمل السياسي عبر المبادرة الإثيوبية -التي سأفصلها في النقطة ٣- وعبر التواصل مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى لتوسيع الجبهة المضادة للإنقلاب وجبهة العمل الدبلوماسي عبر التواصل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين داخل وخارج السودان وجبهة العمل الإعلامي عبر التواصل المباشر مع الناس في مناطق تواجدهم وعبر كل وسائل الإعلام المتاحة .. هذه الجبهات تتكامل ولا تتعارض مع بعضها البعض ومحصلتها النهائية التي نسعى لها هي إكمال مهام الثورة كاملة دون نقصان.
٣- ابتدأت الوساطة الإثيوبية بزيارة الرئيس أبي أحمد والذي حمل مبادرة فحواها تثبيت ما تم الاتفاق عليه سابقاً ومجلس سيادة بغلبة مدنية ورئاسة دورية على أن يكون الإتفاق عبر تفاوض غير مباشر عن طريق الوسيط الإثيوبي … وافقت قوى الحرية والتغيير على الوساطة ومقترحاتها وأضافت بأن هنالك مطلوبات واجبة النفاذ وعلى رأسها لجنة التحقيق الدولية المستقلة. هذا الموقف طابق ورقة مقترح الوسيط الاثيوبي للحل النهائي التي ارسلها لقوى الحرية والتغيير قبل ٣ أيام والتي نصت على ذات البنود التي طرحها الرئيس الإثيوبي مع إضافة بند عن إجراءات بناء الثقة والتي نحمل لها تعريفاً واضحاً للغاية. بهذا الموقف الذي اتخذته قوى الحرية والتغيير بالموافقة على مقترح الوسيط الإثيوبي فهي تضع المجلس أمام خيارين .. إما الموافقة عليه ونقل السلطة للمدنيين أو الإعتراف بوضوح بمخطط الإنقلاب وتوسيع دائرة مواجهته لتشمل محيطه الإقليمي وتوحيد السودانيين ضده عقب أن قسمهم بفرية أن قوى الحرية والتغيير هي الطرف الذي لا يرغب في الإتفاق كما ذكروا في مؤتمرهم الصحفي الأخير. الموقف من الوساطة الاثيوبية ومقترحاتها والتعاطي معها تتفق فيه قوى الحرية والتغيير بنسبة ١٠٠٪ ولا صحة اطلاقاً لما يدور عن تحفظ أي طرف من أطرافها او وجود اختلافات في الرأي حولها.
٤- أخيراً .. تتكاثر وتتناسل الشائعات حول وجود اتفاقات بين بعض أطراف الحرية والتغيير والمجلس العسكري .. هذه كذبة لا تنهض على ساقين .. وللحديث بصورة اكثر تحديداً يتم خلق صورة عن المؤتمر السوداني ورئيسه عمر الدقير تقول بأنهم يريدون المضي مع المجلس في شرعنة الإنقلاب !! لنبدأ بالمؤتمر السوداني اولاً .. ظل هذا الحزب لثلاثين عاماً يقاوم سلطة الإنقاذ بكل السبل وواجه كل شيء في سبيل ذلك .. شهداء ومعتقلين ومعذبين ومشردين ولم يجلس ولو لمرة واحدة معهم او يصافحهم او يهادنهم فما هو الجديد ليبدل مواقفه !! وما يقال عن عمر الدقير يطابق ما يقال عن المؤتمر السوداني .. عمر الدقير ظل في معترك مقاومة الشموليات منذ كان طالباً يقود اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ضد نميري وحتى خروجه من المعتقل قبل أشهر قليلة .. ٣٤ عاماً لم يهادن فيها شمولياً أو يخالطه فعلى ماذا يستند حملة أسهم التخوين ضده !!!
تختلف الآراء وتتباين التقديرات وهو من طبيعة البشر فلا يمكن ان يفكر الجميع بذات الطريقة ومن حسن ادارة الخلاف أن نناقش الأفكار لا أن نهرب منها باختلاق الأكاذيب وتسميم الأجواء بطعنات التخوين .. اقولها بوضوح قوى الحرية والتغيير ستذهب موحدة لاستلام السلطة المدنية الإنتقالية أو ستذهب موحدة للقبور والسجون وكل ما يقال عن انها ستتفرق سعياً نحو السلطة لا يسنده شيء من المنطق أو الواقع أو الحقائق.
خالد عمر يوسف
الامين العام لحزب المؤتمر السودانى