مع استمرار اعتصام ألآف السودانيين امام القيادة العامة للجيش بالخرطوم، ظل المحجتجون في حالة ابتكار دائم لاجراءات تأمينية ملهمة لحماية المعتصمين من اي تهديدات أمنية قد يتعرضون لها.
وفشلت لليوم الثاني على التوالي محاولات من السلطات السودانية لفض الاعتصام امام القيادة العامة للجيش، بعد تمسك المحتجين باستمرار اعتصامهم لحين رؤيتهم مؤشرات جدية من المجلس العسكري تدلل على تحقيق مطالب الثورة.
وظل المعتصمين يسيطرون على الشوارع الرئيسية المحيطة بالقيادة العامة للجيش ويوقومون بعمليات مراقبة وتفتيش للمارة الراجلين والسيارات وحتى القطارات إذ ان أحد خطوط السكة حديد تمر بمكان الاعتصام.
تفتيش القطار
ويوم الإثنين لم يجد سائق إحدى القطارات الذي مرّ امام القيادة العامة للجيش السوداني بُداً من التوقف بعد ان سد عشرات المحتجين المعتصمين الطريق امامه وأجبروه على التوقف بغرض التفتيش لمعرفة ما بداخله.
وفور توقف القطار صعدت مجموعة من الشباب إلى مقطوراته وبدأوا في عمليات تفتيشية دقيقة بعد ان استأذنوا بلطف من السائق، قائلين إن الخطوة تأتي تأميناً لاخوتهم المعتصمين امام محيط قيادة الجيش ريثما تتحقق مطالبهم الثورية.
وبعد فترة انطلق صوت من الإذاعة الداخلية في مكان الاعتصام يطلب من المتواجدين على قضيب السكة حديد افساح الطريق اماه القطار لليمضي في سبيله، مذكراً لهم بسلمية وحضارية الثورة السودانية.
عمليات التفتيش التي يقوم بها المحتجين لا تتوقف عند السيارات والقطارات التي تمر بمحيط مكان الاعتصام، وإنما تشمل حتى الثوار الداخلين مقر الاعتصام للانضمام لاخوتهم.
وعند جميع المداخل والمخارج المؤدية لمنطقة الاعتصام يوجد شباب يحملون لافتات كتبت عليها عبارات تطلب من الداخلين عدم الزعل من التفتيش لأن فيه حماية لهم ولإخوانهم.
التفتيش بالذوق
ويحرص الذين يقومون بعملية التفتيش على ترديد هتاف بصوت عالي يقول “أرفع يدك فوق التفتيش بالذوق” وترى الابتسامة مرسومة في وجوههم كما يطلبون من الجميع الإبتسامة دلالة عدم الزعل من عملية التفتيش.
كما توجد في مداخل مقر الاعتصام فتيات يقومن بعمليات التفتيش للنساء والتأكد من خلو شنطهن مما يهدد المعتصمين بالداخل.
وقال عصام اسماعيل، أحد الشباب الذين يعملون في التفتيش، لـ “دارفور 24” إن عمليات التفتيش التي يقومون بها تأتي للتخوف من محاولات قد يقوم بها أنصار النظام السابق، لجهة أنه يمتلك مليشيات مسلحة عرفت باستخدام العنف ضد المواطنيين.
وأوضح أن إدى الفتيات اللائي يقومن بعمليات التفتيش تمكنت ذات يوم في سيدة كانت تغطي وجهها بنقاب لم تترك منه إلا عيونها، فندهت عليه واخبرته بتشككها امام المرأة ليكتشفوا أنها رجل ويخفي تحت العباءة سلاح ناري “كلاش”، ليقوموا على الفور بتسليمه إلى وحدات الجيش القريبة منهم.
محاولات فض الاعتصام
ولا زال آلاف السودانيين يواصلون اعتصاماً مفتوحاً امام مقر القيادة العامة للجيش رغم رحيل النظام السابق وتولى السلطة مجلس عسكري انتقالي يعمل حالياً على نقل السلطة إلى حكومة مدنية.
وفشلت لليوم الثاني على التوالي محاولات من السلطات لفض الاعتصام امام القيادة العامة للجيش، بعد تمسك المحتجين باستمرار اعتصامهم لحين رؤيتهم مؤشرات جدية من المجلس العسكري تدلل على تحقيق مطالب الثورة.
وكانت قوات من الجيش السوداني والدعم السريع ذهبت لليوم الثاني إلى مقر الاعتصام وطلبت من المحتجين إزالة المتاريس من الطرقات لفتح الحركة امام المارة، لكن تمترس المحتجين في اماكنهم وسط الطرقات حال دون تنفيذ الخطوة.
ومع ذلك رصد مراسل “دارفور 24” جنود يقومون بإزالة المتاريس من الطرقات الجانبية القريبة من محيط الاعتصام دون ان يعترضهم أحد.
ويغلق المحتجون حالياً اربعة شوارع رئيسية واثنين من الجسور الرابطة بين مدينيتي الخرطوم والخرطوم بحري، كما يغلقون قضيب السكة حديد الرئيسي الذي يربط بين الخرطوم وبقية مناطق السودان جنوباً وغرباً.
وتوجد في منطقة الاعتصام مقرات لمؤسسات حكومية أبرزها وزارت التربية والتعليم العام، والتعليم العالي، والصحة، يفشل الموظفون والعاملين بهذا الموسسات من الوصل إليها بشكل طبيعي.
ونصبت لافتات في مكان الاعتصام تخاطب المعتصمين بلغة ناعمة وتطلب منهم عدم الاقتراب من مبان القيادة العامة. كما توجد مكبرات صوت محمولة على عربة عليها فرقة غنائية تابعة للقوات المسلحة يرددون أغاني وطنية ويطلبون بين الفينة والأخرى من المعتصمين فتح الطرقات الرئيسية.
تمسك بالاعتصام
وفور انتشار خبر محاولات فض الاعتصام سارع المئات من المواطنين إلى التوجه صوب مقر قيادة الجيش لمنع الخطوة وخلال ساعات تزايدت أعداد المعتصمين وملأوا الطرقات التي كانت خالية عند الصباح الباكر.
وفي مكان آخر وقفت مجموعة شباب وفتيات متراصين تحت هجير الشمس يحملون لافات كتبت عليها عبارات من شاكلة “لم تسقط بعد” و”الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية”، في إشارة إلى ان النظام السابق لم يسقط بعد ولا زال موجوداً في مفاصل الدولة ولا بد من القبض على المجرمين الذين قتلوا شهداء الثورة والقصاص منهم.
وقال هؤلاء الشباب لـ “دارفور 24” إنهم لن يبارحوا مكان الاعتصام حتى يرون بأعينهم مطالب الثورة وهي تتحقق، مضيفين “نريد رؤية قادة النظام السابق في السجن باعيننا ولكننا لن نصدق هذه الأخبار المتداولة عن اعتقالهم، هذه أكبر خدعة”.
وخلال الساعات الماضية جرى تداول أنباء مجهولة المصدر على نطاق واسع تفيد باعتقال قيادات بارزة في النظام السابق وتنظيم الحركة الاسلامية السياسية، بينهم علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع، ومدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح قوش، وأحمد هارون، وعبد الرحيم محمد حسين.
وفي ردهم على سؤال إذا ما كان قيادت قوى “الحرية والتغيير” قد اتفقت مع المجلس العسكري الانتقالي على عدم نشر خطة تفكيك دولة الحركة الاسلامية السياسية حتي لا يتم ضربها، قالوا إنهم لن يثقون إلا في “تجمع المهنيين السودانيين” الذي يملك وحده قرار استمرار الاعتصام او فضه.
وكانت قيادات من قوى إعلان “الحرية والتغيير” التقت السبت أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وسلمته رؤيتها للمرحلة المقبلة وطلبت منه اصدار قرارات بينها تجميد القوانيين المقيدة للحريات وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، لكن لم يتضح إذا ما كان الطرفان قد اتفقا على فض الاعتصام حول القيادة ام لا.