من بدوي بسيط يمارس التجارة الحدودية بين اقليم دارفور غربي السودان ودولتي ليبيا وتشاد، إلى نائب لرئيس السلطة بالقصر الرئاسي السوداني، فقد طوى الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ “حميدتي” المسافة بين هاتين الصفتين خلال فترة زمنية لا تتجاوز الست سنوات.
واختار رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قائد قوات الدعم السريع، “حميدتي”، السبت نائباً له في المجلس، وذلك بعد تنحي رئيس المجلس السابق عوض ابن عوف الذي لم يمكث في المنصب سوى ساعات عقب الرفض الواسع من المحتجين له.
وكان قائد الدعم السريع قد أعلن اعتذاره عن المشاركة في المجلس العسكري السابق برئاسة ابن عوف، قائلاً إن قواته ستقف مع الشعب في خياراته، واعتبر الكثيرون ان موقف حميدتي كان أحد من الأسباب التي عجلت بالاطاحة بـ “ابن عوف” من رئاسة المجلس، بعد ان أظهرت خلافات المجلس إلى العلن مع تصاعد موجات الرفض من المعتصمين حول محيط قيادة الجيش.
نشأته
أبصر حميدتي النور في إحدى بوادي العرب بشمال دارفور في العام 1975، وهو ينحدر من قبيلة الرزيقات واحدة من أكبر القبائل العربية في السودان عموماً ودارفور خصوصاً، وكحال عشيرته مارس الرجل في بواكر حياته أنشطة الرعي كما عمل بالتجارة المحلية والحدودية بين السودان وليبيا وتشاد.
وبعد اندلاع الحرب في دارفور على إثر تمرد مجموعة من أبناء القبائل غير العربية احتجاجاً على ما يقولونه تهميشاً متعمداً تمارسه حكومة المركز ضد مناطقهم، انخرط “حميدتي” في صفوف مليشيات مسلحة شكلتها الحكومة باسم “حرس الحدود”، لمقاتلة الحركات المتمردة.
ويحكي قائد الدعم السريع في أكثر من مناسبة رواية واحدة حول تركه التجارة والتحاقه بالحكومة مقاتلاً في صفوفها العسكرية ضد الحركات المتمردة في دارفور.
وتتلخص تلك الرواية في أن حميدتي وأثناء عمله بتجارة الحدود مع ليبيا هاجمت مجموعة عسكرية من الحركات المتمردة إحدى قوافله التجارية ونهبتها قبل ان تقتل أقربائه الذين كانوا يرافقون القافلة، وهو ما جعله يقاتل المتمردين منطلقاً من ثأر شخصي.
لكن في العام 2007 اختلف “حميدتي” مع الحكومة وتمرد عليها قبل ان تسارع الحكومة للتفاوض معه وإعادته للعمل مرة أخرى، فعينه حاكم ولاية جنوب دارفور، عبد الحميد موسى كاشا، مستشاراً أمنياً له في العام 2010.
الدعم السريع
ويتزعم حميدتي حالياً قوات عسكرية تحمل اسم “قوات الدعم السريع” وهي قوات ظهرت بهذا الأسم رسمياً في العام 2013 حينما أعلنت الحكومة السودانية نيتها لحسم التمرد في جبال النوبة في كردفان.
وأطلقت يومها الحكومة بزعامة الرئيس المخلوع عمر البشير عمليات عسكرية اسمتها “الصيف الحاسم” اسندت قيادتها لـ “حميدتي” الذي استطاع جمع نحو 6 ألآف مقاتل من دارفور غالبيتهم من أبناء قبيلته وبالتحديد عشيرته الصغيرة “الماهرية” داخل قبيلة الرزيقات.
وكان قوام هذه القوة العسكرية مليشيا “حرس الحدود” التي قاتلت إلى جانب الحكومة في حربها ضد التمرد في دارفور، وتتهم الحركات المتمردة في دارفور قوات “حرس الحدود” بممارسة جرائم ضد الانسانية بحق السكان من القبائل الافريقية، بينما ينفي قادة هذه المليشيات العسكرية تلك الاتهامات ويؤكدون انهم كانوا يدافعون عن أهلهم المستهدفون بواسطة الحركات المسلحة.
الجراءة والصراحة
واشتهر حميدتي بالجراءة في اتخاذ القرارات والصراحة في التعبير عن المواقف وهو الأمر الذي أدخله في عدة خلافات مع قيادات نظام المؤتمر الوطني الذي اطاحت به الثورة الشعبية، أبرزها ما جرى بينه ووالي شمال كردفان السابق، أحمد هارون.
ووقع الخلاف الذي سارع الرئيس المخلوع لإحتوائه بسبب حديث أدلى به هارون عن قوات الدعم السريع في العام 2013 حينما كانت عائدة من مهام عسكرية في مناطق جبال النوبة بكردفان، وعسكرت قرب مدينة الأبيض ودخلت في احتكاكات مع المواطنين مما جعل هارون يطرد قوات حميدتي من ولايته.
وبعد حوالي خمس سنوات من الحادثة لم ينس حميدتي ما جرى، وفي لقاء له مع محطة تلفزيون محلية شن الرجل هجوماً عنيفاً على أحمد هارون قائلاً إن مكانه السجن وليس والياً.
صراع أبناء العمومة
كثيرة هي المعارك التي خاضها قائد الدعم السريع ان كانت مع خصومه العسكريين في ميادين القتال او السياسيين في العاصمة الخرطوم، لكن تظل معركته مع ابن عمه وقائده السابق في قوات “حرس الحدود” موسى هلال، الأبرز في محطات حياته.
وفي العام الماضي أطلقت الحكومة حملة لجمع السلاح في دارفور أسندت مهمتها للقوات التي يقودها حميدتي، لكنه اصتطدم بعناد ابن عمه الذي رفض جمع سلاحه، حتى انتهى الأمر باعتقال موسى هلال، بعد مواجهات مسلحة قتل خلالها عدد من قوات الطرفين.
ولا زال موسى هلال حبيساً بالعاصمة السودانية الخرطوم بعد تقديمه إلى المحاكمة بتهم متعددة لم يتم الفصل فيها بعد، ويرفض حميدتي شخصياً الافراج عنه، بحسب مقربين من الملف.
جلباب السياسية
ومع التطورات التي يشهدها السودان حالياً بدأ قائد الدعم السريع يظهر مرتدياً جلباب الزعيم السياسي أكثر من كونه قائد لقوات عسكرية، حسبها اتضح ذلك في بيانه الذي أعقب تنحي رئيس المجلس الانتقالي السابق، عوض بن عوف.
وطالب “حميدتي” في بيانه بفتح باب الحوار مع مختلف شرائح المجتمع والإسراع في تنظيم لقاءات الحوار مع قيادات ورؤساء الأحزاب السياسية وتجمع المهنيين وقادة الشباب وقيادات تنظيمات المجتمع المدني.
كما طالب وضع برنامج واضح لفترة انتقالية لا تزيد عن ثلاثة إلى ستة شهور ويتم خلالها تنقيح الدستور من خلال لجنة صياغة تشارك فيها كافة قوى السودان. علاوة على تشكيل مجلس انتقالي يتم التمثيل فيه عسكرياً، ومجلس وزراء حكومة مدنية يتم الاتفاق عليه بواسطة الأحزاب وتجمع المهنيين ومنظمات المجتمع المدني وقادة الشباب والمرأة وفق الحراك.
كما اقترح حميدتي ان تكون مهمة المجلس الانتقالي التركيز على إنقاذ الوضع الاقتصادي وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والإشراف على لجنة صياغة تنقيح الدستور دون التدخل في مهامها. مع تشكيل محاكم ونيابات عامة لمكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله.