لفظة الكراهية شكلت إحدى المفردات التي تكررت الإشارة إليها على مستويات مختلفة سواء في الخطابات والتصريحات الرسمية للدولة أو من بعض الاعلاميين المنتمين الي السلطة عقب انتظام الاحتجاجات السلمية في 19 ديسمبر 2018 في السودان، حيث استخدمها وزير الداخلية الدكتور أحمد بلال عثمان في المؤتمر الصُحفي ثم أشار إليها رئيس الجمهورية عمر البشير في خطابه بتاريخ 22 فبراير 2019، على المستوى الاعلامي المرتبط بمناصرة السلطة، بالرغم من تعدد سياقات الاستخدام إلا أنها جميعاً اتفقت في محصلة واحدة هي استخدامه في سياق خطاب الكراهية في مواجهة الحراك الشعبي الداعي للتغيير سليماً فحراك الشعب السوداني فُطم متدثر برُشد السلمية كإطار منهجي، ما يناهض تلك الإدعاءات هي حيوية تواصل وإتساع نطاق الحراك خلال الشهرين المنصرمين مع توحد في الشعارات بما يوحي إلى الوحدة العضوية للمحتجين الذين مثلوا كل شعوب السودان تحت راية “سودانيون” لو تمعنوا في الرؤية لوجدوا أن ما يردده الشارع السوداني يمثل الخطاب المضاد للكراهية.
سجل علاقة السلطة بالكراهية يطول رصده بالنظر الي مظاهر نشوءها الأولي فقد استغلت فيها أجهزة الاعلام الرسمية بدء بيرنامج حديث الصباح الذي كان يبث من إذاعة أمدرمان بصوت اللواء الركن يونس محمود ( الرائد آنذاك ) الذي تخطى حدود المعارضين السياسيين والحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك الى كل من دولتي مصر و المملكة العربية السعودية، فعن أي خطاب كراهية تتحدثون! بل حتى أن برنامج ساحات الفداء الذي روج ووصم من وقعت معهم الخرطوم اتفاق السلام السلام الشامل في 2005 بالكفار! قبل أن تفصله خطابات ممنهجة بُنيت على العرق و الدين، هل تناست السلطة إحراق معرض الكتاب المقدس في جامعة الخرطوم هل أغفل أهل السلطة الصحف التي روجت لخطابات الكراهية وذبحت الثور الأبيض حين انفصال الجنوب، أو تصريح الطيب مصطفى بأنه يجوز فرض الجزية على اخواتنا واخواننا من جنوب السودان أن هم قدموا للخرطوم؟ بالله من هو الغريب النظام وحركته الإسلامية وبرنامجه أم أهلنا بجنوب السودان، هل يعرف الطيب مصطفى أن من الجيل الأول في الحركة الشعبية لتحرير السودان اليابا سرور وعبدالفضيل اقوت وغيرهم من المسلميين لا تزال الذاكرة تحتفظ مانشيتات صحف الخرطوم التي وصفت سودانيات خرجن في احتجاج سلمي بالعاهرات! الكراهية حملتها اسنه قانون النظام العام، حملة الرقص أوآن الموت دون تقديم واجب العزاء، حملة التمييز علي العرق، حملة منع طلاب دارفور من دخول الخرطوم، التعذيب الممنهج والإساءات اللفظية والحاطة من الكرامة. حملته تهديدات الفاتح عز الدين وعلي عثمان وانتهاكات المليشيات الملثمة، حمله استهتار الطاهر التوم بالمحتجين الشعب الذي ردد علي أنغام الموسيقى أي كوز ندوسو دوس فهو يقابل عنف السلطة بمتاريس يمكن أن تحتملها النوته الموسيقية و السجل حافل بالأحداث الايجابية التي ردد فيها المحتجين “نحن اخوانكم ” و ” اسعفوا ” من حاولوا دهسهم بالسيارات و لبعضهم مغادرة آمنة من داخل الأحياء السكنية التي اقتحمت، فما ردده الشارع ليس سوي إعلان بأن الشعب لن يدير خده لجلاديه ليصفعه مرة، بل هي استرداد لعافية الوطن ومحاكمة اخلاقية إن وعي الإسلاميين الذين يتحصنون بالحصانات طيلة فترة حكمهم ولا زال الأفق مفتوحاً لتغيير سيطال كل مظاهر ما غرسه الإسلام السياسي في التربة السودانية ليس إقصاء لكن لمصلحة عيش آمن وكرامة مصونة و إنسان هو محور الكون ، لكن لا يمكن العبور إلى ذلك دون محاسبة عادلة وانصاف، فلا مجال لتحميله وزر افعالكم، لأنه لا يستقيم أن يلوم الجلاد ضحاياه . ما حدث في 7 مارس 2019 من دخول قوات حكومية مدججة ومسلحة الي حي بري السكني بالخرطوم و ما صاحبها من قاموس تهديد لغوي و استفزاز يمثل استمرار لخطاب الكراهية يمكن أن يرتقي الي ممارسة الإرهاب فحين تترك القوات الحكومية سلطاتها وتنتهك الدستور و تتخطى تفويضها يمكنها أن تسقط تحت تعريف المادة 6 من قانون محافحة الارهاب السوداني 2007 فمن البديهي إرتباط الكراهية بالارهاب، ماذا فعل أهل بري؟ فقد دافع محتجون عن انفسهم من الدهس بالسيارات! بل لم يلاحقوا من فر ممن حاول دهسهم، في سلوك يشابه تطبيق التزامات السودان في اتفاقيات جنيف لسنة1949 مع الأخذ في الاعتبار (تباين الأطراف) لكن يبقى جوهر الالتزام بالسلمية، بري الان ترتفع الي رمز وطني لتصبح السودان كله.