ظهرت خلال الاحتجاجات التي يشهدها السودان حالياً، مجموعات أمنية غامضة لا يعرف أحد إلى أي قوة نظامية بالدولة تنتمي، لكنها كانت تظهر في كل موقع احتجاجات برفقة القوات الأمنية والشرطية التي تأتي لفض الاحتجاجات، ما يميز هذه القوة الغامضة هو اللثام التي يقطي ملامح وجه أفرادها لأنهم يلفونه بعناية على وجوههم فلا يظهر منها إلا فتحات أعينهم. يمتطي هؤلاء الملثمون سيارات مكشوفة الظهر بلا لوحات، “بكاسي” ويحملون في أيديهم عصى من خراطيش وبعضهم يحمل سلاح ناري ماركة “كلاشنكوف” لضرب المتظاهرين وشل حركتهم وبالتالي اعتقالهم.. هذه القوة كانت حديث الشارع السوداني، من هم هؤلاء الملثمون، ويتبعون لمن، وما هي حدود سلطاتهم الممنوحة لهم خلال تعاملهم مع المتظاهرين؟ وغيرها من الأسئلة نحاول ان نجيب عليها في هذا التحقيق.
مرافقة القوات النظامية
عند بداية هذه الاحتجاجات وبالتحديد في موكب 25 ديسمبر في منطقة ابوجنزير قرب القصر الرئاسي لم يكن هنالك ملثمون من بين القوات الأمنية التي جاءات لفض الاحتجاجات، على الرغم من وجود أفراد بزي مدني يمتطون ذات السيارات المكشوفة بدون لوحات إلا أن “دارفور 24” لم ترصد ملثماً من بينهم، كانوا جميعهم مكشوفي الوجه وبعضهم يحمل أسلحة كلاشنكوف يطلقون منها الرصاص الحي في الهواء لتفريق المحتجين، ولكن بعد تنامي موجة الاحتجاجات ونشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعي بدأ هؤلاء الأفراد يضعون اللثام على وجوههم.
الأمن الطلابي
وحسب ما تحصلت عليه “دارفور 24” من معلومات من مصادر عديدة فإن هؤلاء الملثمون يتبعون سياسياً لحزب المؤتمر الوطني، وأمنياً لما يعرف بالأمن الطلابي، وهو يضم شريحة طلاب الجامعات والخريجون ممن ينتسبون لحزب المؤتمر الوطني ويعملون بتنسيق مع جهاز الأمن والمخابرات السوداني. وأكدت المصادر أن الأمن الطلابي يمتلك مكاتب منفصلة عن جهاز الأمن والمخابرات أغلبها داخل الجامعات السودانية لأن في الأصل هذه المجموعة تعرف بالوحدات الجهادية بالجامعات السودانية.
وتشير “دارفور 24” إلى أن الوحدات الجهادية بالجامعات ظلت محل اتهام دائم بالوقوف وراء العنف الجامعي بين الطلاب حيث تمتلك أسلحة بسقيها الناري “كلاشنكوف والمسدسات” والأبيض المتمثل في “السيخ والسواطير” التي تحتفظ بها في مخازن ملحقة بالمساجد داخل الجامعات.
ورغم المطالبات المستمرة بضرورة حل هذه الوحدات وتفكيكها وإصدار جامعة الخرطوم على عهد مديرها بروفيسور صديق حياتي بالفعل لقرار بحل هذه الوحدات إلا أنها لا زالت محتفظة بمكاتبها داخل الجامعات.
الاعتقال في مكاتب بالجامعات
ويستخدم الأمن الطلابي او “الملثمون” هذه المكاتب التي يمتلكوناه بالجامعات أحياناً مقراً للاعتقال، وحسب أحد الشباب الذين تم اعتقالهم من شارع السيد عبد الرحمن بالخرطوم خلال موكب 17 يناير، وقال عمر هاشم، لـ “دارفور 24” إن مجموعة من الملثمين تستخدم سيارة مكشوفة اعترضت طريقه حينما كان يسير لوحده وقبل انطلاقة الموكب، وبعد ان أجبرته على الركوب في السيارة التي كانت مليئة بشباب آخرين جرى اعتقالهم من الشارع مثله، ذهبوا بهم إلى مكاتب داخل جامعة السودان المجمع الغربي، واحتجزهم هنالك واحدة لأكثر من اثنتي عشر ساعة، قضوها تحت التحقيق، لكنها أطلقت سراحه لاحقاً بعدما تبين لها أنه الشخص الخطأ فيما لا يعرف مصير الآخرين الذي كانوا معه في الاحتجاز. لكن أحد عناصر المنظومة الطلابة المنتمين لحزب المؤتمر الوطني قال لـ “دارفور 24” إن الملثمين لا علاقة لهم بالطلاب وإنما هم يتبعون لاتحاد الشباب السوداني لأن الطلاب واتحادهم لم يشاركوا هذه المرة في فض الاحتجاجات حسب قوله.
بداية بلا لثام
عند بداية هذه الاحتجاجات وبالتحديد في موكبي 25 ديسمبر بميدان ابوجنزير بالخرطوم، و31 ديسمبر بصينية القندول، لم يكن هنالك ملثمون كما هو حادث اليوم، وقد رصدت “دارفور 24” وجود مجموعات تستغل السيارات المكشوفة المعروفة بـ “البوكس” وتحمل العصى والخراطيش ترتدي الزي المدني لكنها غير ملثمة تقتحم التجمعات وتبدأ في الضرب والاعتقال، كما كانت هنالك مجموعات أخرى تحمل سلاح “كلاشنكوف” هذه الأخيرة كانت تطلق الرصاص في الهواء على مقربة من المحتجين، كما تم رصد بعد عناصرها وهي ترتكز على مسافات قريبة من المحتجين وتصوب أسلحتها عليهم مباشرة. وبحسب الطالب المار ذكره فإن الذين يحملون “الكلاشنكوف” هم من الدفاع الشعبي وما يعرف بالأمن الشعبي، وهؤلاء لديهم تعليمات بالتصويب مباشرة على المحتجين إذا اقتضى الأمر، اي أن تعليمات التصويب المباشر متروكة للتقديرات الميدانية.
مجموعات بالفيس بوك تفضح الملثمون
لكن بعد تصاعد الاحتجاجات وتصاعد عمليات القمع دس جميع هؤلاء الذين يتولون عملية القمع وجوههم خلف الأقنعة، حتى بعض عناصر جهاز الأمن والمخابرات الذين يرتدون زيهم العسكري كانوا يغطون معالم وجههم باللثام أيضاً، وحسب المتابعات فإن ظاهرة اللثام لجأ إليها عناصر الأمن بعد ان بدأ الناشطون في تصويرهم وكشف معلومات دقيقة عنهم ونشرها على وسائل الاعلام الحديثة في محاولة لشن حرب نفسية عليهم من خلال فضح ممارساتهم القمعية لأصدقائهم وأهلهم ومعارفهم وكل الرأي العام. وقد كانت هنالك مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تخصصت في نشر المعلومات الدقيقة عن هؤلاء المشاركون في عمليات قمع المحتجين، وذلك من خلال نشر صورة عنصر الأمن في هذه المجموعات وبعدها تبدأ عملية جمع المعلومات عنه من الأسم والسكن ومكان الدراسة ومكان العمل وغيرها، لأنه من النادر أن لا تكون هنالك فتاة بهذه المجموعات لم تلتقي الشخص المطلوب معرفته إن كان في الدراسة أو الحي السكني أو العمل أو غيرها.
ويشير ناشطون وسياسيون إلى أن العناصر الملثمة هي “كتائب الظل” التي عناها القيادي الاسلامي ونائب رئيس الجمهورية الأسبق، علي عثمان محمد طه، خلال لقاء محطة “سودانية 24” قبل اسابيع، حينما قال إن حكومة الانقاذ لن تسقط ولديها كتائب ظل ستدافع عنها وتحميها لو استدعى الأمر التضحية بالنفس، ويستدلون بأن العنف قد تصاعد من هؤلاء الملثمون عقب حديث علي عثمان مباشرة، حيث تم استخدام الرصاص الحي بكثافة خصوصاً في موكب 9 يناير بمدينة ام درمان، الذي سقط خلالها 3 قتلى وعشرات الجرحى.