تحقيق – دارفور24
عبر السهول والوديان والقرى الوديعة وكثبان الرمال، يسافر سكان شرق دارفور إلي ديارهم في رحلة لا تجد لها عنوان سوى أنها رحلة (الشتاء والصيف). رحلة ترفع درجة التوتر والارهاق الجسدي فيها يبلغ مداها، حين تمخر اطارات العربة في رمال لا تخلو من القساوة، وهى تعلو ثم تهبط بانفاس المواطنين، وتتخطى الشجيرات وحشائش الاستوائية التي تغطيها، بصورة تشبه مغامرات السفاري في احراش افريقيا.. أذن كيف يسافر سكان شرق دارفور المنكوبين بنيران الحرب وعذابات طريق قومي طال انتظاره؟
سفريات الغرب
الساعة كانت تشير إلي الخامسة صباحاً فجر الجمعة من شهر مايو، أمام مكاتب سفيريات ولايات الغرب في السوق الشعبي أمدرمان قبل موعد قيام البص بساعة، بلغ الزحام ذروته في تلك الساعات. المسافرون لمدن غرب السودان تجمعوا حول مكاتب البصات السفيرية بامتعتهم التي تثير كثيراً من الفوضي. استيقظ النائمون من اسرتهم المتناثرة حول المكان استعداداً للسفر، بعد أن قضوا ليلتهم في أسرة مستاجرة حتي لا يفوتهم موعد (البص).
تحرك البص وكل شيء كان عادي طريق مسفلت به بعض التشوهات، في ذلك الجزء الذي يقع في ولاية النيل الأبيض، (10) ساعات يقضيها المسافر في الطريق حتى يصل مدينة النهود عصراً، يأخذ استراحة لبضع ساعات استعداداً لاستئناف الرحلة لمدينة الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور.
يقول أحد المسافرين إن ساعات الانتظار كانت تمضي ثقيلة في مكاتب السفريات التي اصطفت حولها عربات اللاندكروزر المتهجة لتلك الولاية التي بلغت تذكرة السفر إليها (450) جنيها، مضيفاً “تحركنا بعد أن خيم الظلام وعدد من المركبات خلفنا، من شدة التعب القيت جسدي المنهك علي المقعد، وما أن اغمضت عيني حتى وجدت نفسي اتشبث بالمقعد بكلتا يدي والجميع هكذا يتشبثون بمقاعدهم والعربة تعلو وتهبط دون رحمة، وكاننا في سباق (رالى) خاصة عندما تلوح مصابيح المركبات الأخرى التي تسلك طريق لم تتبين معالمه، حتى ولجنا غابة حشائش كثيفة تظن أنها تبتلع المركبات شيئاً فشيئاً، الكل متوتر والعربة تمضي في طريقها مسرعة في دجى الليل”.
وهكذا يمضي الطريق يشق القرى وأشباه المدن مما تثنى للركاب رؤيتها عبر ضوء المركبة، ويضيف “بلغ التعب مداها من المسافرين فطلبوا من السائق أن يتوقف ولو قليلاً لجمع أنفساهم واستعادة بعض من قواهم لأن رحلة (الشتاء والصيف) هذه طويلة، استجاب سائق العربة وتوقف ومعه اخرون من سائقي (سرب) السيارات التي تفضل السير في مجموعة تحسباً من قطاع الطرق، ولكن لم يوفق سائق المركبة في اختيار المكان فقد كان ملئ بالحشرات الصغيرة التي احتفت بضوء المصابيح وجعلت المسافرين يطلبون استئناف الرحلة، ثم العودة لذات المشهد العربة تعلو وتهبط والأنفاس تلاحقها، والشجيرات تكاد تلامس اجساد المسافرين (أطفال ومسنين وشباب ومرضى) عبر النوافذ المفتوحة، حتي بلغت قرية صغيرة يطلق عليها (حمير الوالي) بكسر الحاء، بعد أن انتصف الليل توقفت العربة للمبيت لمدة ساعة أو ساعتين، ومن فرط التعب نام المسافرون على طريقة المثل القائل (نوم الديك على الحبل)، ثم استقيظوا علي بوق المركبة وهى تعلن الرحيل، أي استئناف العذاب، خاصة ممن يجلسون في المقاعد الخلفية والتي اطلق عليها (أبو غريب) على السجن الشهير بالعراق، لأن الجالسين في تلك المقاعد يعيشون معاناة من نوع خاص، عندما تعلو المركبة يعلو معها من في المقاعد حتي يلامسون سقفها، ثم تهبط بهم، البعض لم تتحمل معدتته تلك الهزة فيفرغ ما فيها، و البعض الأخر يتساقطون علي بعضهم، تماماً الصورة تشبه فصول التعذيب في سجن (أبو غريب).
نور الصباح ملأ الافق فكانت أرض دارفور خضراء، الوديان وما تبقى أضفى شيئاً من المتعة رغم التعب هناك شعور بشيء من الطمأنية مثل عودة الحياة لشخص على فراش الموت، عندما لوحت مدينة الضعين حاضرة الولاية. انتهت رحلة العذاب ليوم ونصف، عبر طريق قومي تعجز كل العبارات لوصف وعورته، ذلك الطريق تأتي به البضائع ويسافر به المرضى والمسنين والأطفال فإلى متى يعيشون هذا العذاب؟
التخطيط العمراني
السؤال أعلاه بحثنا عن أجابة له لدى الجهة المعنية في ولاية شرق دارفور وهى وزارة التخطيط العمراني بالولاية وتتبعنا مراحل الطريق وبحسب المعلومات السابقة التى كشفها لنا المهندس ابراهيم البيقاوى، مدير عام التخطيط العمراني بالولاية (سابقا): أن الطريق القومي (النهود ـ الضعين) تم طرح عطاء له من قبل الهيئة القومية للطرق والجسور للبدء في تشيده بطول (436) متر وكان ذلك في الفترة من شهر (يوليو) من عام 2016م وأُغلق العطاء في نهاية شهر سبتمبر من نفس العام، وذلك على أن يتم تنفيذ الطريق من مدينة النهود حتى منطقة غبيش، لتبدأ المرحلة الثانية من الطريق من منطقة غبيش حتى مدينة الضعين، ثم المرحلة الثالثة من مدينة الضعين حتى نيالا.
وأضاف “هذه ثلاث مراحل يتم عبرها تنفيذ الطريق القومي، ولكن ثمة اشكاليات تواجهه تشيد الطريق، أولها طول مسافة الطريق وبعده عن المناطق التي يمكن أن يجلب منها المواد وأن اقرب مكان هو شمال دارفور وتعد هذه عملية مكلفة مما تزيد فترة التنفيذ، ولكن هناك بارقة أمل لحل تلك المعضلة عن طريق العمل مع خبراء لأخذ عينات من منطقة جبل خزان جديد، ليتم استخدام بعض المواد في عملية التشيد بعد التأكد من صلاحية هذه المواد، وهذا ما يتعلق بالجزء من الضعين حتي نيالا”.
المرحلة الأولى من الطريق من المفترض أن تبدأ في العام 2017م، ومن العام 2016م وحتى الآن ماذا تم فى مراحل التشيد؟ المهندس كبر على حسين مدير التخطيط العمراني بالولاية الحالي تحدث الينا قائلا: “الطريق من مدينة (النهود) حتى منطقة (غبيش) لا تواجهه مشكلة مواد كما نواجهها من (غبيش) حتى (الضعين)، وقد تم طرح عطاء لثلاث مرات لم تقدم فيه سوى شركة واحدة وربما يرجع الأمر لاعتبارات عدة أهمها شح الموارد وبالتالي لم نستطع عمل اجراء حقيقي لتكملة الطريق وأن وزارة التخطيط العمراني بصدد تجهيز غرفة للمعمل الذى يتم تجهيزه لفحص التربة، بالإضافة لجلب خلاط (اسفلت) سعره بلغ حوالى (10) مليار وما تبقى هو انتظار الاليات العاملة في الطريق وهي تحتاج لتمويل ونستطع أن نوفر بها مواد بناء الطريق من مسافة (80) كيلو شمال مدينة الضعين.
وأكد أن تشييد الطريق يختصر المسافة وحجم الإرهاق النفسي والجسدي والمادى الذي يعانيه سكان الولاية خلال السفر، أضافة لإسهامه في بسط الأمن خاصة وأن هناك مناطق معزولة بسبب الطريق.
المطار
ستة عشر ساعة هو الزمن الذي يستغرقه الشخصمن العاصمة الخرطوم للوصول لحاضرة شرق دارفور (الضعين)، معني أنها مسافة لا تحتمل أن يقطعها المرء عبر طريق ترابي لا حول له ولا قوة. هذه المسافة ايسر طريق لها هو الطيران لمن يستطع أو طريق معبد كحل ثاني، ولكن هيهات لا طريق معبد ولا طيران فالاخير طارت معه احلام المواطنين بعد أن تجاوز سعر تذكرة الطيران (2800) جنيه، أذن لا طريق قومى معبد ولا طيران يرحم لماذا؟.
المطار الحالي بمدينة الضعين حاضرة الولاية يعاني من عدة مشكلات وهي أنه لا يسع الطائرات الكبيرة وبالتالي انعكس سلباً علي أسعار الطيران ولكن بعد اكتمال مشروع المطار الجديد الدولي ينتظر أن تحل معضلة الطائرات الكبيرة.
ولكن أين توقف مشروع المطار الجديد، بعد أن تجاوز المشكلة المتعلقة باعتراض الأهالي، وازيلت الموانع وهي اراضي زارعية وقرى وتم تعويض المزارعين بمبالغ مالية.
يوضح المهندس كبر حقيقة الوضع الحالى للمطار وبحسب حديثه أن عطاء الأنشاء رسى على شركة تابعة للجيش وما تم عمله في تلك الفترة هو تجهيز مدرج المطار الجديد (3) كيلو واحضار مواد خرسانية، ولكن ما حدث أن الشركة انسحبت من الموقع تاركة خلفها المواد دون معرفته سبب انسحاب الشركة.
بعدها تولى الطيران المدني أمر المطار بدراسة أخرى وهي تمديد المطار كيلو ونصف جنوب المدرج للمطار القديم وتوسعته من (40 ـ 60) كيلو معنى أن ما يتم هو عمل توسعة للمطار الحالي البالغ طوله (1500) متر بعرض (40) متر وحتى الآن لم يتم الحصول على التمويل للبدء في عملية التوسعة.
إلي حين تنفيذ كلتا المشروعين (الطريق القومى والمطار الجديد) سيظل سكان تلك الولاية في معاناة مستمرة انعكست سلباً علي نمط العيش في قراهم ومدنهم حيث يكتون باسعار السلع الضرورية بسبب الطريق وبعد المسافة.