زالنجي ــ دارفور24
تتفق رؤية كثير من المراقبين للشأن السياسي الدارفوري، على إن الإنقسامات الحادة التي ضربت المكونات القبلية في دارفور، في مطلع الألفينات يمكن للمجتمع تجاوزها بوحدة متماسكة، تعبر به من فوق الأشواك والمتاريس المصنوعة.
هذه الذهنية يمثلها شيخ ضرير في العقد الرابع من العمر، يدعى مطر يونس علي حسين، ظل ناشط في قضايا دارفور بدعوته المتكررة للوحدة وتجاوز الخلافات التي تزكيها حكومة المركز لتتمكن من بسط سيطرتها على الاقليم دون منحه حقوقه، حسب يونس.
بسبب رؤيته هذه ونشاطه المحموم من أجل تحقيقها، يقبع اليوم الشيخ مطر يونس، داخل سجن كوبر معتقلاً سياسياً، لا يسمح لأسرته بمقابلته، كما لم يشمله القرار الرئاسي الذي أمر بإطلاق سراح جميع المعتقليين السياسيين.
بدأ الشيخ مطر يونس، في تبني قضايا دارفور بطرح وحدوي جعل النازحون يتجاوزن النظرة القبلية ويصغون اليه، بل جعلوه إماماً وخطيباً لمسجد معسكر “سنقارا” غرب مدينة زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور.
ونشط الشيخ الضرير في أركان النقاش بجامعة زالنجي التي يتحدث فيها عن فشل حزب المؤتمر الوطني في الحكم وتسببه في تأجيج الصراعات في دارفور، مطالباً بإسقاطه عن الحكم حتى يتسنى للأمة أن تنهض وتمشي مرفوعة الرأس بين الأمم.
لهذا كان الشيخ كفيف البصر، ضيفا شبه دائم على مكاتب جهاز الأمن بزالنجي، يتم إستدعاؤه تارة، وتارة أخرى يتم اعتقاله بعد الحضور.
من مفارقات الشيخ أنه ذو خلفية دينية سلفية متشددة تركها وإنضم إلى حركة سياسية مسلحة ذات طرح علماني، وهي حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
والمفارقة الأخرى هي أن الرجل ينتمي إلى احدى القبائل العربية بدارفور، ظلت محل اتهام متكرر بأنها وراء تهجير القبائل غير العربية إلى معسكرات النزوح من خلال تحالفها مع حكومة المركز.
ومع ذلك ظل “الشيخ مطر يونس” من أكثر الداعمين لقضايا النازحين واللاجئين، كما له تأثير ونفوذ قويين على النازحين الذين يثقون فيه وكلمته عندهم مسموعة.
أمضى الشيخ مطر علي يونس، نحو ثلاثة أسابيع في الإعتقال، حيث داهمت قوة تتكون من الشرطة والأمن في الثاني من ابريل الجاري منزله في زالنجي، قبل ان تقوم باعتقاله وترحيله إلى السجن المركزي بـ “كوبر”.
ويقول أحد أعضاء الجبهة الشعبية المتحدة ( UBF) الجناح السياسي لحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور، أنور أتيم، لـ (دارفور24) أنها ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها السلطات الأمنية الرجل المحبوب للنازحين.
وأوضح أن مطر يونس ظل ضيفاً متكرراً على مكاتب الأمن بسبب نشاطه الناقم على سياسات الحكومة وحزبها الحاكم، ووقوفه بقوة مع قضايا النازحيين مناهضاً للانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل الحكومة.
وذكر أتيم أن جامعة زالنجي كانت أبرز الساحات التي يمارس فيها الشيخ مطر نشاطه المناهض للحكومة، حيث ظل دائم التحدث إلى الطلاب عن الانتهاكات الحكومية ضد حقوق الانسان وذلك من خلال الندوات وأركان النقاش التي تتم استضافته فيها.
وأضاف “في ذات يوم حجز تنظيم الجبهة الشعبية، النشاط لإقامة مخاطبة سياسية، ولما جاء الشيخ مطر، أخطره الحرس الجامعي بأنه ممنوع من الدخول بأمر إدارة الجامعة”.
وتابع “لكن الشيخ طلب أن يسمح له بالصلاة وما كاد أن يدخل حتى حمله الطلاب على اعنقاهم وذهبوا به إلى مكان ركن النقاش وهم يهتفون بشعارات ثورية”.
ويحكي عضو تنظيم الـ (UDF) تفاصيل مثيرة عن مغامرات الشيخ مطر والطلاب من أجل دخول جامعة زالنجي ومخاطبة الطلاب في الندوات وأركان النقاش.
ويقول “في أوقات كثيرة كنا نلجأ لإنزال الشيخ من فوق سور الجامعة ليحمله طلاب بالداخل ويذهبون به إلى ركن النقاش، كان شجاعاً وخطيباً مفوهاً يشعل الحماسة وسط الطلاب بكلماته الصادقة”.
وحتى اليوم يقبع الشيخ مطر يونس، داخل سجن كوبر معتقلاً سياسياً، لا يسمح لأسرته بمقابلته ولم يشمله القرار الرئاسي الذي أمر بإطلاق سراح جميع المعتقليين السياسيين على دفعات. وكانت منظمة العفو الدولية طالب قبل يومين حكومة السودان بحسن معاملة الشيخ والسماح لأسرته ومحاميه مقابلته.
يقول محمد عبدالله، أحد رفقاء الشيخ مطر يونس، في التيار السلفي، إن “مطر يونس” كان منتمياً لجماعة أنصار السنة المحمدية، لكنه بدأ اخيراً التعامل مع الحركات ويهاجم الحكومة.
وأضاف “لذلك حاولنا نصحه حاول ينصحه بواسطة شيخ عبدالرحيم عبدالله، وهو قريب له من ناحية نسب، ولما فشل النصح اتخذ التيار قرار بفصله”.
ولد الشيخ مطر “ضريراً” في العام 1967 بمدينة زالنجي “حي الوحدة”، وتلقى تعليميا دينياً مهد له الطريق للإنضمام للتيار السلفي، وهو متزوج وله ستة من الأبناء.
ويشير (دارفور 24) إلى أن شقيق الشيخ مطر، “عبد الكريم يونس” عضو فاعل في حزب المؤتمر الوطني، ووهو نائب بالمجلس الوطني، ويشغل منصب رئيس كتلة نواب ولاية وسط دارفور بالبرلمان.
وقال المتحدث باسم تحالف (نداء السودان) محمد فاروق، عقب إطلاق سراحه من سجن كوبر، إنهم تركوا الشيخ مطر يونس، خلفهم في كوبر دون أن يشمله قرار إطلاق السراح.
وأضاف “الشيخ مطر معارض مكفوف البصر، حافظ للقران الكريم، وكان يؤم المصليين في الزنزانة بصوته الجميل واختيار آيات كانما يعرفنا بنفسه يختارها بعناية مثل قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ () وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ () وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ).
وأشار إلى أن الشيخ مطر يتميز بروح فكاه عالية، ويضيف “كان يقول يا فاروق الناس ديل ما ادوني من الجداد ـ وهو يزدرد طعام المعتقل من الفاصوليا او ملاح القرع ـ يقصد بالناس زملائه المعتقلين فينثر بيننا الضحكات وينسينا كآبة منظرنا”.
وطالب بإطلاق سراحه قائلاً إنه يتعرض لمعاناة إضافية جراء فقدانه للبصر الأمر الذي يستوجب توفير رعاية خاصة له غير متاحة في السجون أو المعتقلات.